الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها ) . [ ص: 236 ] وهذا المذهب بشرطه الآتي . وعليه الأصحاب . وجزم به في المغني ، والشرح ، والفائق ، وغيرهم من الأصحاب . وسواء كان التالف صيد حرم أو غيره . قال في الفروع : أطلقه الأصحاب . قال : ويتوجه إلا الضارية . ولعله مرادهم . وقد قال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن أمر رجلا بإمساكها : ضمنه ، إن لم يعلمه بها . وقال في الفصول : من أطلق كلبا عقورا ، أو دابة رفوسا ، أو عضوضا على الناس ، وخلاه في طريقهم ومصاطبهم ورحابهم ، فأتلف مالا ، أو نفسا : ضمن لتفريطه . وكذا إن كان له طائر جارح كالصقر والبازي فأفسد طيور الناس وحيواناتهم . انتهى . قلت : وهو الصواب .

فائدة : قال في الانتصار : البهيمة الصائلة : يلزم مالكها وغيره إتلافها . وكذا قال في عيون المسائل : إذا عرفت البهيمة بالصول : يجب على مالكها قتلها . وعلى الإمام وغيره : إذا صالت على وجه المعروف ، ومن وجب قتله على وجه المعروف : لم يضمن ، كمرتد . وتقدم إذا كانت البهيمة مغصوبة وأتلفت ، عند قوله " وإن جنى المغصوب فعليه أرش جنايته " .

قوله ( إلا أن تكون في يد إنسان ، كالراكب ، والسائق ، والقائد ) . يعني : إذا كان قادرا على التصرف فيها . فيضمن ما جنت يدها أو فمها . دون ما جنت رجلها . وهذا المذهب . قال الحارثي : هذا الصحيح من المذهب . جزم به في الهداية ، وخلافه الصغير ، [ ص: 237 ] والشريف أبو جعفر ، وابن عقيل في التذكرة ، والمذهب ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح ، وشرح الحارثي ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . وعليه جماهير الأصحاب . وعنه : يضمن السائق جناية رجلها . قال القاضي ، وابن عقيل : وهي أصح . لتمكن السائق من مراعاة الرجل ، بخلاف الراكب والقائد . وعنه : يضمن ما جنت برجلها ، سواء كان سائقا أو قائدا أو راكبا . ذكرها في المغني ، وغيره . قال الحارثي : وأورد في المغني هذا الخلاف مطلقا في القائد والسائق والراكب . والصواب : ما حكاه في الكافي وغيره من التقييد بالسائق . فإنه مأخوذ من القاضي . والقاضي إنما ذكره في السائق فقط . انتهى . قلت : هذا غير مؤثر فيما أورده المصنف من الإطلاق . لأن جماعة من الأصحاب حكوا الروايات الثلاث . والناقل مقدم على النافي . وقال في المحرر : يضمن إذا كان معها راكب أو قائد أو سائق ما جنت بيدها وفمها ووطء رجلها ، دون نفحها ابتداء . انتهى . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . وقال ابن البنا : إن نفحت برجلها وهو يسير عليها فلا ضمان . وإن كان سائقا : ضمن ما جنت برجلها .

فوائد : منها : لو كبحها باللجام زيادة على المعتاد ، أو ضربها في الوجه : ضمن ما جنت رجلها أيضا ، ولو لمصلحة . قال الحارثي : لا يختلف الأصحاب في وجوب الضمان وطئا ونفحا . وظاهر نقل ابن هانئ في الوطء : لا يضمن . [ ص: 238 ] ونقل أبو طالب : لا يضمن ما أصابت برجلها ، أو نفحت بها . لأنه لا يقدر على حبسها . وهو ظاهر كلام جماعة . قاله في الفروع .

ومنها : لا يضمن ما جنت بذنبها . على الصحيح من المذهب . كرجلها . قال في الفروع : ولا ضمان بذنبها في الأصح . جزم به في الترغيب وغيره . وجزم به أيضا في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، وغيرهم . مع ذكرهم الخلاف في الرجل . وقيل : يضمن . قال الحارثي : والذنب كالرجل ، يجري فيه الخلاف في السائق . ولا يضمن به الراكب والقائد ، كما لا يضمن بالرجل وجها واحدا . كذا أورده في الكافي . انتهى .

ومنها : لو كان السبب من غير السائق والقائد والراكب ، مثل إن نخسها أو نفرها غيره : فالضمان على من فعل ذلك . جزم به في المغني ، والشرح ، وشرح الحارثي ، والفروع ، وغيرهم .

ومنها : لو جنى ولد الدابة : ضمن . على الصحيح من المذهب . نص عليه . واختاره ابن أبي موسى ، والسامري ، وقطعا به . وقدمه في الفروع ، وشرح الحارثي . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : يضمن إن فرط ، نحو أن يعرفه شموسا ، وإلا فلا . وقيل : لا يضمن مطلقا . واختاره المصنف ، والشارح . وقدمه في الفائق .

ومنها : لو كان الراكب اثنان : فالضمان على الأول ، إلا أن يكون صغيرا أو مريضا ونحوهما ، وكان الثاني متوليا تدبيرها . فيكون الضمان عليه . قال الحارثي : وإن اشتركا في التصرف اشتركا في الضمان . وإن كان مع الدابة سائق وقائد : فالضمان عليهما . على المذهب . وعليه الأصحاب . [ ص: 239 ] قال الحارثي : وعن بعض المالكية : الضمان على القائد وحده . قال : وهذا قول حسن . وإن كان معهما ، أو مع أحدهما راكب : اشتركوا في الضمان على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع . وفيه وجه آخر : الضمان على الراكب فقط . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، وشرح الحارثي ، والفائق . وقيل : يضمن القائد فقط . وهو احتمال في المغني .

ومنها : الإبل والبغال المقطرة كالبهيمة الواحدة على قائدها الضمان . وإن كان معه سائق شاركه في ضمان الأخير منها ، دون ما قبله . هذا إذا كان في آخرها . فإن كان في أولها : شارك في الكل . وإن كان فيما عدا الأول : شارك في ضمان ما باشر سوقه . دون ما قبله . وشارك فيما بعده . وإن انفرد راكب بالقطار ، وكان على أوله : ضمن جناية الجميع . قاله الحارثي . قال المصنف في المغني ، ومن تبعه : المقطور على الجمل المركوب : يضمن جنايته لأنه في حكم القائد له . فأما المقطور على الجمل الثاني : فينبغي أن لا يضمن جنايته . لأن الراكب الأول لا يمكنه حفظه عن الجناية . انتهى . قال الحارثي : وليس بالقوي . فإن ما بعد الراكب إنما يسير بسيره ، ويطأ بوطئه . فأمكن حفظه عن الجناية . فضمن كالمقطور على ما تحته . انتهى .

ومنها : لو انفلتت الدابة ممن هي في يده ، وأفسدت : فلا ضمان . نص عليه فلو استقبلها إنسان فردها . فقياس قول الأصحاب : الضمان . قاله الحارثي .

ومنها : لا فرق في الراكب والسائق والقائد بين المالك ، والأجير ، والمستأجر ، والمستعير والموصي إليه بالمنفعة . وعموم نصوص الإمام أحمد رحمه الله تقتضيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية