الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن خلطها بمتميز لم يضمن ) . هذا الصحيح من المذهب . نص عليه . وعليه الأصحاب . وعنه : يضمن . وحمله المصنف على نقصها بالخلط . قوله ( وإن أخذ درهما ثم رده ، فضاع الكل : ضمنه وحده ) . هذا الصحيح من المذهب . نص عليه . وجزم به الخرقي ، وصاحب التعليق ، والفصول ، والمغني ، والكافي ، والمحرر ، والشرح ، والوجيز . وغيرهم . وهو عجيب من الشارح . إذ الكتاب المشروح حكى الخلاف . لكنه تبع المغني . وصححه في الفروع وغيره . وعنه : يضمن الجميع . وأطلقهما في التلخيص ، والفائق . وقيل : يضمنه وحده ، إن لم يفتح الوديعة . وقل : لا يضمن شيئا . قوله ( وإن رد بدله متميزا فكذلك ) . يعني : أن الحكم فيه كالحكم فيما إذا رد المأخوذ بعينه . جزم به في الفصول ، والفروع ، وشرح ابن منجا ، وغيرهم . كذا الحكم لو أذن صاحبها له في الأخذ منها ، فأخذ ثم رد بدله بلا إذنه . قوله ( وإن كان غير متميز : ضمن الجميع ) . [ ص: 333 ] هو المذهب . جزم به في المجرد ، والفصول ، والتلخيص ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ( ويحتمل أن لا يضمن غيره ) . وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله . وجزم به القاضي في التعليق . وذكر أن الإمام أحمد نص عليه في رواية الجماعة . وحكى عنه من رواية الأثرم : أنه أنكر القول بتضمين الجميع ، وأنه قال : هو قول سوء . وهذا ظاهر كلام الخرقي . وقطع به ابن أبي موسى ، والقاضي أبو الحسين ، وأبو الحسن بن بكروس ، وغيرهم . واختاره أبو بكر . وقدمه الحارثي في شرحه . وقال : هو المذهب . ومال إليه في المغني . وأطلق الروايتين في المحرر . فعلى الرواية الثانية : إن لم يدر أيهما ضاع : ضمن . نقله البغوي . وذكره جماعة . واقتصر عليه في الفروع .

فائدة : لو كان الدرهم أو بدله غير متميز ، وتلف نصف المال . فقيل : يضمن نصف درهم . ويحتمل أن لا يلزمه شيء . لاحتمال بقاء الدرهم أو بدله . ولا يجب مع الشك . قاله الحارثي .

تنبيهات : الأول : قال الزركشي : إذا رد بدل ما أخذ . فللأصحاب في ذلك طرق : أحدها : لا يلزمه إلا مقدار ما أخذ . سواء كان البدل متميزا أو غير متميز . وهذا مقتضى كلام الخرقي . وبه قطع القاضي في التعليق . وذكر أن الإمام أحمد رحمه الله نص عليه في رواية الجماعة . وأنكر في رواية الأثرم على من يقول بتضمين الجميع .

والطريق الثاني : إن تميز البدل ضمن قدر ما أخذ فقط ، وإن لم يتميز : [ ص: 334 ] فعلى روايتين . وهي طريقة المصنف في المغني ، والكافي ، والمجد .

والطريق الثالث : في المسألة روايتان فيها . وهي ظاهر كلام أبي الخطاب ، في الهداية .

والطريق الرابع : إن تميز البدل : فعلى روايتين ، وإن لم يتميز : ضمن . رواية واحدة . قاله في التلخيص . ويقرب منه كلام المصنف في المقنع ، وكلام القاضي على ما حكاه في المغني . وبالجملة : هذه الطريقة ، وإن كانت حسنة : لكنها مخالفة لنصوص الإمام أحمد رحمه الله . انتهى .

الثاني : شرط القاضي في المجرد ، وابن عقيل ، وأبو الخطاب ، وأبو الفرج الشيرازي ، والمصنف ، والمجد ، والشارح ، وجماعة : أن تكون الدراهم ونحوها غير مختومة ، ولا مشدودة . فلو كانت كذلك . فحل الشد ، أو فك الختم : ضمن الجميع . قولا واحدا . قال القاضي في التعليق : هو قياس قول الأصحاب ، مما إذا فتح قفصا عن طائر ، فطار . وقاله أبو الخطاب في رءوس المسائل . قال الحارثي : ولا يصح هذا القياس . لأن الفتح عن الطائر إضاعة له . فهو كحل الزق . ونقل مهنا : أنه لا يضمن إلا ما أخذ . قال في التلخيص : وروى البغوي عن الإمام أحمد رحمه الله : ما يدل على ذلك وينبني على ذلك : لو خرق الكيس . فإن كان من فوق الشد : لم يضمن إلا الخرق . وإن كان من تحت الشد : ضمن الجميع ، على المشهور عند الأصحاب . قاله الزركشي .

الثالث : قوة كلام المصنف ، وغيره : تقتضي أنه لا يضمن بمجرد نية التعدي . بل لا بد من فعل ، أو قول . وهو صحيح . وهو المقطوع به عند الأصحاب . [ ص: 335 ] وقال القاضي ، وقد قيل : إنه يضمن بالنية . لاقترانها بالإمساك . وهو فعل كملتقط نوى التملك في أحد الوجهين . وفي الترغيب ، قال الحارثي : وحكى القاضي في تعليقه : وجها بالضمان . قال الزركشي : وقد ينبني على هذا الوجه . على أن الذي لا يؤاخذ به هو الهم . أما العزم : فيؤاخذ به على أحد القولين . انتهى . وتأتي مسألة اللقطة في بابها . عند قوله " ومن أمن نفسه عليها " .

التالي السابق


الخدمات العلمية