( وإذا استوى على راحلته لبى ، فيقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) .
وقد تقدم الكلام في أول أوقات التلبية .
وأما : فكما ذكره الشيخ - رحمه الله - نص عليه صفتها أحمد في رواية أبي داود وحنبل .
قال - في رواية حنبل - : إذا لبى يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
والأصل في ذلك : ما روى ابن عمر ذي الحليفة أهل فقال : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " وفي لفظ : إن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لبيك اللهم لبيك . . . . إلى آخره . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد
وكان يزيد مع هذا : " لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والرغباء إليك والعمل " متفق عليه . عبد الله بن عمر
[ ص: 576 ] وفي رواية في الصحيح : " " لا يزيد على هذه الكلمات . سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل ملبيا : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك
وفي رواية في الصحيحين : " وكان يقول : عبد الله بن عمر يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك وسعديك ، الخير في يديك ، والرغباء إليك والعمل " عمر بن الخطاب . كان
وفي رواية صحيحة لأحمد قال : " " . أربعا تلقنتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
وفي رواية صحيحة : " كان يزيد فيها : لبيك لبيك لبيك - ثلاثا إلى آخره " . رواه . . . . ابن عمر
[ ص: 577 ] قالت : " إني لأعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك " عائشة رواه وعن ، ورواه البخاري سعيد من حديث عن الأعمش عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن ، قالت : " كانت تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إن الحمد والنعمة لك " عائشة . عن
وعن قال : " ابن مسعود - " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم " رواه كان من النسائي وأحمد ، ولفظه عن عبد الله ،ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : " مثله سواء " . لبيك اللهم . .
وعن عبد الله : " أنه كان يلبي كذلك " رواه سعيد .
جابر في ذكر حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فأهل بالتوحيد ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك [ ص: 578 ] لك . وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا منه " رواه وعن مسلم وأحمد بإسناد صحيح . ولفظهما : " والناس يزيدون " ذا المعارج " ونحوه من الكلام ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع فلا يقول لهم شيئا " . وأبو داود
وعن الضاحك ، عن : " أن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث ابن عباس ابن عمر وجابر " رواه سعيد . وداود بن عمرو
: على ما روى وسبب التلبية ومعناها عن سعيد بن جبير في قوله - عز وجل - : ( ابن عباس وأذن في الناس بالحج ) قال : لما أمر الله إبراهيم - عليه السلام - أن يؤذن في الناس بالحج قال : يا أيها الناس إن ربكم اتخذ بيتا وأمركم أن تحجوه ، فاستجاب له ما سمعه من حجر ، أو شجر ، أو أكمة ، أو [ ص: 579 ] تراب ، أو شيء ، فقالوا : لبيك اللهم لبيك " رواه آدم ، عن ورقاء ، عن ، عنه . عطاء بن السائب
وعن في قوله : ( مجاهد وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ) قال : نادى إبراهيم : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، وفي رواية عنه : أن إبراهيم حين أمر أن يؤذن بالحج قام على المقام ، فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، قالوا : لبيك لبيك ، فمن حج اليوم فقد أجاب إبراهيم يومئذ في أصلاب آبائهم . رواهما بإسناد صحيح . أبو يعلى الموصلي
وعنه - أيضا - قال : " أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج ، فقام على [ ص: 580 ] المقام ، فتطاول حتى صار كطول الجبل ، فنادى : يا أيها الناس أجيبوا ربكم مرتين ، فأجابوه من تحت التخوم السبع : لبيك أجبنا ، لبيك أطعنا ، فمن يحج إلى يوم القيامة فهو ممن استجاب له ، فوقرت في قلب كل مسلم " رواه عن سفيان الثوري منصور عنه . وسلمة بن كهيل
وعنه - أيضا - قال : " لما أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج قام فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فأجابوه : لبيك اللهم لبيك " ، وفي رواية : " لما أذن إبراهيم بالحج قال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، قال : فلبى كل رطب ويابس " .
وقيل لعطاء : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ) إبراهيم أو محمد ؟ قال : إبراهيم ، وفي رواية عنه قال :
لما فرغ إبراهيم وإسماعيل من بناء البيت ، أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس على المقام ، فنادى بصوت أسمع من بين المشرق والمغرب فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، قال : فأجابوه من أصلاب الرجال : لبيك اللهم لبيك ، فإنما يحج اليوم من أجاب يومئذ " رواهن أبو سعيد الأشج .
[ ص: 581 ] وأما اشتقاقها : فقد قال قوم : إنه من قولهم : ألب بالمكان إذا أقام به ولزمه ، ولب - أيضا - لغة فيه حكاها الخليل ، والمعنى : وأنا مقيم على طاعتك ولازمها ، لا أبرح عنها ولا أفارقها ، أو أنا لازم لك ، ومتعلق بك لزوم الملب بالمكان . وهو منصوب على المصدر بالفعل اللازم إضماره ، كما قالوا : حنانيك وسعديك ، ودواليك ، والياء فيه للتثنية .
وأصل المعنى : لبيت مرة بعد مرة لبا بعد لب ، ثم صيغ بلفظ التثنية الذي يقصد به التكرار والمداومة كقوله : ( ثم ارجع البصر كرتين ) وكقول حذيفة : وجعل يقول بين السجدتين - : " رب اغفر لي ، رب اغفر لي " ويقول في الاعتدال : " لربي الحمد ، لربي الحمد " يريد بذلك أنه يكرر هذا اللفظ . هذا [ ص: 582 ] قول الخليل وأكثر النحاة .
وزعم يونس أنها كلمة واحدة ليست مثناة ، وأن الياء فيها أصلية بدليل قولهم : لبى يلبي .
والأجود في اشتقاقها : أن جماع هذه المادة : هو العطف على الشيء والإقبال إليه والتوجه نحوه ، ومنه اللبلاب ، وهو نبت يلتوي على الشجر ، واللبلبة : الرقة على الولد ، ولبلبت الشاة على ولدها : إذا لحسته وأسلبت عليه حين تضعه ، ومنه لب بالمكان ، وألب به إذا لزمه لإقباله عليه ، ورجل لب ولبيب أي لازم للأمر ، ويقال : رجل لب طب . قال :
لبابا بأعجاز المطي لاحقا
قال :
فقلت لها فيئي إليك فإنني حرام وإني بعد ذاك لبيب
[ ص: 583 ] وامرأة لبة ، قال أبو عبيد : أي قريبة من الناس لطيفة ، ومنه اللبة وهي المنحر ، واللبب وهو موضع القلادة من الصدر من كل شيء ، وهو ما يشد - أيضا - على صدر الناقة أو الدابة يمنع الرحل من الاستئجار . سمي مقدم الحيوان لببا ولبة لأنه أول ما يقبل به ويتوجه . ثم قيل : لببت الرجل تلبيبا إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جررته ؛ لأن انقياده واستجابته تكون بهذا الفعل ، وقد تلبب إذا انقاد .
وسمي العقل لبا : لأنه الذي يعلم الحق فيتبعه ، فلا يكون للرجل لب حتى يستجيب للحق ويتبعه ، وإلا فلو عرفه وعصاه لم يكن ذا لب ، وصاحبه لبيب .
ويقال : بنات ألبب : عروق في القلب تكون منها الرقة .
وقيل لأعرابية تعاقب ابنا لها : ما لك لا تدعين عليه ؟ قالت : تأبى له ذلك بنات ألببي .
وقد قيل في قول الكميت :
إليكم ذوي آل النبي تطلعت نوازع من قلب ظماء وألبب
والمستحب في تقطيعها . . . .
فظاهر حديث أنه يقطعها ثلاثا ، يقول في الثانية : لبيك لا شريك لك ، ثم يبتدي : لبيك إن الحمد والنعمة لك ؛ لأنها ذكرت أنه كان يلبي ثلاثا : لبيك اللهم لبيك ، وكذلك عائشة ذكر أنهن أربع . ابن عمر
وعن محمد بن قيس قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يلبي بأربع كلمات : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك [ لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ] " رواه . داود بن عمرو
وعن أبي معشر عنه . . . .
[ ص: 585 ] والمستحب كسر إن نص عليه ، ويجوز فتحها ، فإذا فتح كان المعنى : لبيك لأن الحمد لك ، أو : بأن الحمد لك ، وعلى هذا فينبغي أن توصل أن بالتلبية التي قبلها ؛ لأنها متعلقة بها تعلق المفعول بفاعله ، وتكون التلبية فيها خصوصا أي لبيناك بالحمد لك ، أو بسبب أن الحمد لك أو لأن الحمد لك . وأما الحمد فلا خصوص فيه كما توهمه بعض أصحابنا .
وأما إذا كسر فإنها تكون جملة مبتدأة ، وإن كانت تتضمن معنى التعليل ، فتكون التلبية مطلقة عامة ، والحمد مطلق كما في قوله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وفي قوله : ( يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد ) .