الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 104 ] ( فصل )

وقد أطلق أحمد القول بأن العمرة واجبة ، وأن العمرة فريضة في رواية جماعة منهم أبو طالب والفضل وحرب ، وكذلك أطلقه كثير من أصحابه ، منهم ابن أبي موسى ، وقال في رواية الأثرم - وقد سئل عن أهل مكة - فقال : أهل مكة ليس عليهم عمرة إنما قال : الله تعالى - : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) فقيل له : إنما ذاك في الهدي في المتعة فقال : كان ابن عباس يرى المتعة واجبة ، ويقول : "يا أهل مكة ليس عليكم عمرة إنما عمرتكم طوافكم بالبيت " . قيل له : كأن إقامتهم بمكة يجزيهم من العمرة ؟ فقال : نعم . وكذلك قال في رواية ابن الحكم : ليس على أهل مكة عمرة [ ص: 105 ] لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت فمن أراد منهم أن يعتمر خرج إلى التنعيم ، أو تجاوز الحرم . وقال - في رواية الميموني - : ليس على أهل مكة عمرة ، وإنما العمرة لغيرهم ، قال : الله تعالى : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) إلا أن ابن عباس قال : " يا أهل مكة من أراد منكم العمرة فليجعل بينه ، وبينها بطن محسر " . وإذا أراد المكي وغيره العمرة أهل من الحل وأدناه التنعيم ، ولأصحابنا في هذا ثلاثة طرق : -

أحدها : أن المسألة رواية واحدة بوجوبها على المكي وغيره ، وأن قوله ليس عليهم متعة يعني في زمن الحج لأن أهل الأمصار غالبا إنما يعتمرون أيام الموسم ، وأهل مكة يعتمرون في غير ذلك الوقت ، قاله القاضي [ ص: 106 ] قديما قال : لأنه قال : لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت . وهذه طريقة ضعيفة .

الثانية : أن في وجوبها على أهل مكة روايتين : لأنه أوجبها مطلقا ، في رواية واستثنى أهل مكة في أخرى ، وهذه طريقة القاضي أخيرا ، وابن عقيل ، وجدي وغيرهم .

والثالثة : أن المسألة رواية واحدة أنها لا تجب على أهل مكة وأن مطلق كلامه محمول على مقيده ومجمله على مفسره وهذه طريقة أبي [ ص: 107 ] بكر وأبي محمد صاحب الكتاب وهؤلاء يختارون وجوبها على أهل مكة .

ووجه عدم وجوبها ما روى عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : "يا أهل مكة ليس عليكم عمرة " وعن عمرو بن كيسان قال : سمعت ابن عباس يقول : "لا يضركم يا أهل مكة ألا تعتمروا ، فإن أبيتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن واد " .

وعن عطاء أنه كان يقول : " يا أهل مكة إنما عمرتكم الطواف بالبيت ، فإن كنتم لا بد فاعلين فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن واد " رواهن سعيد ، هذا مع قوله : إن العمرة واجبة . ولا يعرف له مخالف من الصحابة .

ولأن الله - سبحانه - قال : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) فجعل التمتع بالعمرة إلى الحج الموجب لهدي أو صيام لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، فإذا كان حاضر المسجد الحرام يفارق [ ص: 108 ] غيره في حكم المتعة وواجباتها مفارقة في وجوب العمرة ، وأيضا فإن العمرة هي زيارة البيت وقصده ، وأهل مكة مجاوروه وعامروه بالمقام عنده فأغناهم ذلك عن زيارته من مكان بعيد فإن الزيارة للشيء إنما تكون للأجنبي منه البعيد عنه ، وأما المقيم عنده فهو زائر دائما ، فإن مقصود العمرة إنما هو الطواف ، وأهل مكة يطوفون في كل وقت .

وهؤلاء الذين لا تجب عليهم العمرة هم الذين ليس عليهم هدي متعة على ظاهر كلامه في رواية الأثرم ، والميموني في استدلاله بقوله تعالى - : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) وظاهر قوله في رواية ابن الحكم والأثرم أيضا - أنها إنما تسقط عن أهل مكة وهم أهل الحرم ; لأنهم هم المقيمون بمكة ، والطوافون بالبيت . فأما المجاور بالبيت فقال عطاء : هو بمنزلة أهل مكة

التالي السابق


الخدمات العلمية