الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 172 ] مسألة :

( ويعتبر للمرأة وجود محرمها ، وهو زوجها ، ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب ، أو سبب مباح ) .

في هذا الكلام فصلان : -

أحدهما : أن المرأة لا يجب عليها أن تسافر للحج ، ولا يجوز لها ذلك إلا مع زوج ، أو ذي محرم ؛ لما روى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ( لا تسافر المرأة ثلاثا إلا معها ذو محرم ) . متفق عليه ، وفي لفظ لمسلم ] : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم ) . وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين ، أو ليلتين إلا ومعها زوجها ، أو ذو محرم منها ) . متفق عليه ، وفي رواية للجماعة إلا البخاري والنسائي : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها ، أو ابنها ، أو زوجها ، أو أخوها ، أو ذو محرم منها ) .

[ ص: 173 ] وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة إلا مع ذي محرم عليها ) . متفق عليه ، وفي رواية لمسلم وغيره : ( مسيرة يوم إلا مع ذي محرم ) . وفي رواية له ولغيره : ( لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها ) . وفي رواية لأبي داود : ( بريدا ) .

[ ص: 174 ] وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : فانطلق فحج مع امرأتك ) . متفق عليه ، ولفظ البخاري : ( لا تسافر امرأة إلا مع محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ، فقال رجل : إني أريد جيش كذا وكذا ، وامرأتي تريد الحج ، قال : اخرج معها ) .

فهذه نصوص من النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم سفر المرأة بغير محرم ، ولم يخصص سفرا من سفر ، مع أن سفر الحج من أشهرها وأكثرها . فلا يجوز أن يغفله ، ويهمله ويستثنيه بالنية من غير لفظ ، بل قد فهم الصحابة منه دخول سفر الحج في ذلك لما سأله ذلك الرجل عن سفر الحج ، وأقرهم على ذلك ، [ ص: 175 ] وأمره أن يسافر مع امرأته ، ويترك الجهاد الذي قد تعين عليه بالاستنفار فيه ، ولولا وجوب ذلك لم يجز أن يخرج سفر الحج من هذا الكلام ، وهو أغلب أسفار النساء ، فإن المرأة لا تسافر في الجهاد ، ولا في التجارة غالبا ، وإنما تسافر في الحج ، ولهذا جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - جهادهن .

وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لها السفر إلا على وجه يؤمن فيه البلاء ، ثم بعض الفقهاء ذكر كل منهم ما اعتقده حافظا لها وصاينا ، [ ص: 176 ] كنسوة ثقات ، ورجال مأمونين ، ومنعها أن تسافر بدون ذلك .

فاشتراط ما اشترطه الله ورسوله أحق وأوثق ، وحكمته ظاهرة ، فإن النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه ، والمرأة معرضة في السفر للصعود والنزول والبروز ، محتاجة إلى من يعالجها ، ويمس بدنها ، تحتاج هي ومن معها من النساء إلى قيم يقوم عليهن ، وغير المحرم لا يؤمن ولو كان أتقى الناس ؛ فإن القلوب سريعة التقلب ، والشيطان بالمرصاد ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) . قال أحمد - في رواية الأثرم : لا تحج المرأة إلا مع ذي محرم ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تحج المرأة إلا مع ذي محرم .

وليس يشبه أمر الحج الحقوق التي تجب عليها ؛ لأن الحقوق لازمة واجبة [ ص: 177 ] مثل الحدود وما أشبهها ، وأمر النساء صعب جدا ؛ لأن النساء بمنزلة الشيء الذي يذب عنه ، وكيف تستطيع المرأة أن تحج بغير محرم ؟ فكيف بالضيعة وما يخاف عليها من الحوادث ؟!

ولا يجوز لها أن تسافر بغير محرم إلا في الهجرة ؛ لأن الذي تهرب منه شر من الذي تخافه على نفسها ، وقد خرجت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وغيرها من المهاجرات بغير محرم ، وفي حضور مجلس الحاكم ؛ لأنه [ ص: 178 ] ضرورة يخاف منه أن يضيع حق المدعي ، وفي التغريب لأنه حد قد وجب عليها .

فإن كان بينها وبين مكة دون مسافة القصر ... .

والعجوز التي لا تشتهى ... .

[ ص: 179 ] وهل المحرم شرط للوجوب أو للزوم والأداء ؟ على روايتين :

إحداهما : هو شرط للوجوب ، وهو قول أبي بكر ، وابن أبي موسى قال - في رواية ابن منصور - : المحرم للمرأة من السبيل ... .

التالي السابق


الخدمات العلمية