الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 409 ] ( فصل)

وأما التطيب فقد قال - في رواية المروذي - : وإن شاء تطيب قبل أن يحرم ، وقال عبد الله : سألت أبي عن المحرم : الطيب أحب إليك له أم ترك الطيب ؟ قال : لا بأس أن يتطيب قبل أن يحرم ، ونذهب فيه إلى حديث عائشة ، وكذلك نقل حنبل ، وإنما لم يؤكده لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر به وإنما فعله ، فيجوز أن يكون فعله لأنه عبادة ، ويجوز أن يكون فعله على الوجه المعتاد ، وفي مراعاته نوع مشقة وفيه اختلاف ، وظاهر كلامه أنه مستحب غير مؤكد بحيث لا يكره تركه بخلاف الاغتسال والتنظيف .

قال أصحابنا : يستحب له أن يتطيب بما شاء من طيب الرجال سواء كان مما يبقى أثره أو لا يبقى ؛ لما روى عروة عن عائشة قالت : " كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - [ عند إحرامه بأطيب ما أجد ، وفي رواية قالت : " كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطيب ] ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم " متفق عليه ، وفي رواية : " كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند إحرامه بأطيب ما أجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته " لفظ البخاري ، وفي رواية مسلم : [ ص: 410 ] " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد ، ثم أرى وبيص الدهن في لحيته ورأسه بعد ذلك " وفي رواية القاسم عنها : " كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك " متفق عليه .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كنا نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فنضمد جباها بالمسك المطيب عند الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينهانا " رواه ... وأبو داود .

وعن نافع قال : " كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له [ ص: 411 ] رائحة طيبة ، ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب ، فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل " رواه البخاري .

وعن درة قالت : [ كنت أغلف رأس عائشة بالمسك والصبر عند إحرامها ، وعن عائشة ابنة سعد بن أبي وقاص ] قالت : " كنت أسحق له المسك - يعني سعدا - بالبان الجيد فأضمخ منه لحيته ورأسه وأجمر حلته ، فيروح فيها مهلا " .

وعن مسلم بن صبيح قال : " رأيت في رأس ابن الزبير ولحيته من الطيب ، وهو محرم ما لو كان لرجل لاتخذ منه رأس مال " .

[ ص: 412 ] وعن علي بن حسين قال : " قال لي ابن عباس وعائشة : ادهن بأي دهن شئت وأنت محرم " وقال ابن عمر : " ادهن بالزيت " .

وعن ابن عباس : " أنه سئل عن الطيب قبل الإحرام ؟ قال : أما أنا فأصعصعه في رأسي ، ثم أحب بقاءه " .

وعن ابن المنتشر قال : " سألت ابن عمر : ما تقول في الطيب عند الإحرام ؟ فقال : ما أحب أن أصبح محرما ينضح مني الطيب ، وفي لفظ : لأن أصبح مطليا بقطران أحب إلي من أصبح محرما أنضح طيبا ، فلما سمع ذاك أرسل إلى عائشة ، فقالت : أنا أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسكت " . رواهن [ ص: 413 ] أحمد في رواية ابنة عبد الله .

قال القاضي وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا : يستحب أن يتطيب في بدنه دون ثيابه ؛ لأنه إذا طيب الثوب فربما خلعه ثم لبسه وذلك لا يجوز ، وإنما ذكرت عائشة أنها كانت ترى الطيب في رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولحيته .

قالوا : وإن طيبهما جاز ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يلبس المحرم ثوبا مسه ورس أو زعفران ، فلو كان تطييب الثوب مشروعا لما نهى عن لبسه .

قالوا : ويستحب للمرأة أن تتطيب كالرجل ؛ لما تقدم من حديث عائشة ، ولأنها لا تقرب من الرجال بخلاف الطيب عند الخروج إلى الجماعات والجمع والأعياد ، فإنهن يختلطن بالرجال فكره ذلك .

[ ص: 414 ] قالوا : ويستحب للمرأة أن تختضب قبل الإحرام سواء كانت أيما أو ذات زوج ... .

فأما غير المحرمة فقال القاضي : يستحب لها الخضاب إن كانت ذات زوج ، ولا يستحب إذا كانت أيما .

التالي السابق


الخدمات العلمية