الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 324 ] ( الفصل الثاني )

في أهل مكة ، وهم ثلاثة أقسام : مستوطن بها ، سواء كان في الأصل مكيا أو لم يكن ، ومقيم بها ، سواء غير مستوطن كالمجاورين ونحوهم ، ومسافر .

فأما أهل مكة : فإنهم يحرمون بالحج من مكة كما في الحديث : " حتى أهل مكة يهلون منها " والمستحب أن يحرموا ... .

قال أحمد والخرقي - في أهل مكة - : يهلون من مكة ، فإن أحرم المكي خارج مكة من الحرم الذي يلي عرفة كالأبطح ومنى ومزدلفة فهل يجزئه ؟ على وجهين ذكرهما القاضي .

فعلى المشهور إذا أحرم من الحل جاز في إحدى الروايتين ولا دم عليه [ ص: 325 ] سواء عاد إلى الحرم ، أو لم يعد ومضى على إحرامه إلى عرفة .

قال - في رواية ابن منصور - وقد ذكر له قول سفيان : الحرم ميقات أهل مكة ، فمن خرج من الحرم فلم يهل أمرته أن يرجع ، وأرى عليه إذا كان ذلك حدهم بما أرى على غيرهم إذا جاوز الميقات ، فقال أحمد : ليس لهم حد مؤقت إلا أنه أعجب إلي أن يحرموا من الحرم إذا توجهوا إلى منى .

ونقل عنه الأثرم في رجل تمتع بعمرة فحل منها ثم أقام بمكة فلما كان يوم التروية خرج إلى التنعيم ، فأحرم بالحج ، ثم توجه إلى منى وعرفات ولم يأت البيت : ليس عليه شيء ، إلا أن هذا قد أحرم من الحل الأقصى من عرفات ومر بمنى في طريقه وهي من الحرم ، وليس في مثل هذا خلاف عنه ، ولفظه : والذي يحرم من مكة يحرم من مكة إذا توجه إلى منى كما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولو أن متمتعا جهل فأهل بالحج من التنعيم ، ثم توجه إلى منى وعرفات ولم يأت البيت فلا شيء عليه ، وهذا اختيار القاضي والشريف أبي جعفر ، وأبي الخطاب وغيرهم ؛ لأن المقصود أن يجمعوا في الإحرام بين الحل والحرم ، وهذا يحصل بعد التعريف ؛ لأنه لو كان الواجب أن يحرموا من نفس مكة لكونها [ ص: 326 ] ميقاتا لم يجز الخروج منها إلا بالإحرام [ وقد دلت السنة على جواز الخروج منها بغير إحرام ] وجواز الإحرام من البطحاء ، ولأن الإحرام في الأصل إنما وجب لدخول الحرم ، أما للخروج إلى الحل فلا ، فإذا خرج أهل مكة لم يجب عليهم إحرام لخروجهم إلى عرفات بخلاف ما إذا رجعوا ، ولأن قطع المسافة بالخروج إلى عرفات ليس من الحج المقصود لنفسه . ولهذا لو ترك المبيت بمنى ليلة عرفة لم يجب عليه دم .

والرواية الثانية ... .

التالي السابق


الخدمات العلمية