الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 349 ] ( الفصل الثاني )

أن من دخل مكة لقتال مباح فإنه لا إحرام عليه ، نص عليه كما تقدم وإنما يجيء على أصلنا إذا كان هناك بغاة أو كفار أو مرتدة قد بدوا بالقتال فيها ، فأما إذا لم يبدءوا بقتال لم يحل قتالهم ، وذلك لما روى مالك عن ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ، فقال : اقتلوه ، قال مالك : ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ [ ص: 350 ] محرما " رواه الجماعة ولفظه متفق عليه .

وعن جابر رضي الله عنه : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام " رواه مسلم والنسائي ورواه بقية الجماعة إلا البخاري ، ولم يقولوا بغير إحرام ، ولأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دخلوا عام الفتح كذلك بغير إحرام .

فإن قيل : فهذا خاص للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه قال : " لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار " .

قيل : الذي خص به - صلى الله عليه وسلم - جواز ابتداء القتال فيها ، ولما أبيح له ذلك ترك الإحرام ، فإذا أبيح نوع من القتال لغيره شركه في صفة الإباحة " .

وأيضا فإن من أبيح له القتال قد أبيح له بها سفك الدم الذي هو أعظم [ ص: 351 ] المحظورات فلأن تباح له سائر المحظورات أولى ، ولأنه يحتاج إلى الدخول بغير إحرام ، فأشبه الحطابة .

وكذلك من دخلها خائفا لفتنة عرضت ونحو ذلك ، لما رواه مالك في الموطأ عن نافع : " أن ابن عمر أقبل من مكة حتى إذا كان بقديد جاءه خبر فرجع فدخل مكة بغير إحرام " .

وعن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : " خرج ابن عمر من مكة يريد المدينة ، فلما بلغ قديدا بلغه عن جيش قدم المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام " رواه سعيد .

وهذا الجيش ... .

[ ص: 352 ] ولأن الخائف ولم يذكر القاضي و ... دخولها إلا لقتال مباح ، أو حاجة تتكرر ، كما ذكره الشيخ ، ومقتضى كلامهم أن الخائف الذي لا يقاتل لا يدخلها إلا محرما ، وتأول القاضي فعل ابن عمر على أنه أحرم من دون الميقات ، ولم يحرم منه وإنما أحرم من دونه لأنه لم يقصده قصدا ابتداء ، وإنما تأول هذا لأنه بلغه أن ابن عمر دخل بغير إحرام ، ولو بلغه السياق الذي ذكرناه لم يتأول هذا التأويل .

وأما من يتكرر دخوله إلى مكة كل يوم مثل الحطابين والرعاة ونحوهم : فإن لهم أن يدخلوها بغير إحرام كما نص عليه ؛ لما روي عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لا يدخلن إنسان مكة إلا محرما إلا الجمالين والحطابين وأصحاب منافعها " رواه حرب .

[ ص: 353 ] وهذا يقتضي لكونه ينتفعون به لا لتكراره ؛ لأن هؤلاء لو وجب عليهم الإحرام كلما دخلوا لشق عليهم مشقة عظيمة ، ولا بد لهم من مكة لتعلق مصالحهم بها وتعلق مصالح البلد بهم ... .

قال أصحابنا : وكذلك من كان من أهلها له صنعة بالحل يتردد إليها ، وكذلك الفيوج الذي يتكرر دخولهم ، وحد التكرار ... قال حرب : قلت لأحمد : الرجل يدخل مكة بغير إحرام ؟ قال : إذا كان من الحطابة وهؤلاء الذين يختلفون كل يوم فإنه لا بأس فقيده بيوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية