الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 261 ] مسألة : ( ويصح من العبد والصبي ، ولا يجزئهما ) .

في هذا الكلام فصلان :

أحدهما : أن العبد يصح حجه ، ولا يجزئه عن حجة الإسلام ، فإن أعتق فعليه حجة أخرى ، وإن مات أجزأت عنه تلك الحجة ، وكانت حجة الإسلام في حقه ، وإن لم تكن واجبة .

وكذلك الصبي ؛ لما روى محمد بن كعب القرظي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أريد أن أجدد في صدور المؤمنين ، أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه ، فإن أدرك فعليه الحج ، وأيما رجل مملوك حج به أهله فمات أجزأت عنه ، فإن أعتق فعليه الحج " رواه سعيد ، وأبو داود في مراسيله ، واحتج به أحمد .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أسمعوني ما تقولون ، وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه ، وإن أعتق قبل أن يموت فليحج ، وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضى حجه ، وإن بلغ فليحج " رواه الشافعي .

[ ص: 262 ] والمرسل إذا عمل به الصحابة حجة وفاقا ، وهذا مجمع عليه ؛ ولأنه يصح منه الحج ؛ لأنه من أهل العبادات ، ولا يجزئه ؛ لأن فعله قبل أن يصير من أهل وجوبه .

فإن عتق العبد أو بلغ الصبي ، وهما محرمان بالحج بعد الوقوف وخروج وقته - لم يجزهما ذلك الحج عن حجة الإسلام ؛ لأن الوقوف لا يمكن إعادته ، وما فعل منه وقع قبل وجوبه ، فلا يجزئ عن واجب الإسلام .

وإن عتق وبلغ قبل الوقوف أو في أثناء الوقوف أو بعد إفاضتهما من عرفة ، فرجعا إليها وأدركا الوقوف بها قبل طلوع الفجر ليلة النحر - أجزأتهما تلك الحجة عن حجة الإسلام . هذا هو المنصوص عنه في غير موضع ، وعليه [ ص: 263 ] أصحابه ، وعنه . . .

+لما احتج به أحمد ، ورواه بإسناده عن ابن عباس قال : " إذا عتق العبد بعرفة أجزأت عنه تلك الحجة ، وإذا عتق بجمع لم تجزئ عنه " ، وعن الحسن ، وعطاء قالا : " إذا عتق العبد بعدما يفيض عن عرفات أو بجمع ، وحاضت الجارية ، واحتلم الغلام فرجعوا إلى عرفة قبل طلوع الفجر فقد أجزأت عنهم حجة الإسلام " ، ولا يعرف لهم في السلف مخالف ، قال أحمد : ما أعلم أحدا قال لا تجزئه إلا هؤلاء .

ولأنه أتى بأركان الحج وواجباته من الإحرام ، والوقوف ، والطواف ، وغيره بعد الوجوب ، فوجب أن يجزئه .

[ ص: 264 ] وإنما أحرم قبل الوجوب ، والإحرام فرض مستصحب في جميع النسك ، فتقدمه على وقت وجوبه لا يضر كما لو تطهر الصبي للصلاة ، ثم بلغ فصلى بتلك الطهارة فرضا بل أولى .

وهذا لأن ما فعله قبل البلوغ أسوأ أحواله أن يكون وجوده كعدمه ، وهو لم يحرم حتى بلغ ، وهو بعرفات فأحرم حينئذ أجزأه بالإجماع ، فكذلك إذا بلغ وهو محرم يجب أن يجزئه ما يأتي به من الإحرام بعد ذلك ، ويكون ما مضى كأن لم يفعل .

ومن أصحابنا من قال : يكون إحراما مراعى فإذا أدرك الوقوف بالغا تبينا أنه وقع فرضا ، وإلا فلا ، كما يجوز إبهامه وتعليقه ، ويكون مراعى إن أدرك عرفة كان بحج ، وإلا كان بعمرة ، ويظهر أثر هذين الوجهين فيما يصيبه في إحرامه قبل الوقوف هل يكون بمنزلة جناية عبد وصبي ، أو بمنزلة جناية حر بالغ .

فإن كانا قد سعيا قبل الوقوف ، وقلنا السعي ركن ، ففيه وجهان :

أحدهما : يجزئه ، قاله القاضي ، وأبو الخطاب ، وهو ظاهر كلام أحمد ؛ لأنه لم [ ص: 265 ] يفرق بين أن يكونا قد سعيا قبل الوقوف أو لم يسعيا ، وهذا يتوجه على قول من يقول : إن ما مضى من الإحرام يصير فرضا .

والثاني : لا يجزئهما ، قال القاضي في المجرد : هو قياس المذهب ، وتبعه ابن عقيل ، وهذا إذا قلنا : السعي ركن ؛ لأن السعي ركن غير مستدام ، وقد وقع قبل وجوب الحج فلم يجزئ عن الواجب كما لو كان البلوغ والإسلام بعد الوقوف فعلى هذا إن أعاده . . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية