الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                وفي الركن : سبعة وعشرون فرعا :

                                                                                                                الأول ، في الكتاب : تعليق العتق بخلاف تعليق التدبير فلا حنث في العتق عليها إلا أن يجعل حقيقة بعد موت فلان أو خدمة العبد إلى أجل ، فكما قال ، واليمين بالعتق يجب الوفاء به بخلاف الوصية به فيجوز الرجوع فيها ترغيبا في القربات عند الممات ، وإذا حنث في يمين عتق بالقضاء ، وفي النذر يؤمر من غير قضاء ، لأن النذر قربة تفتقر إلى النية والخير منعها ، وإن قال : إن ملكتك أو اشتريتك فأنت حر ، فإن اشتراه أو بعضه عتق عليه جميعه ، ويقوم عليه نصيب شريكه ، لأنه مدخل للعيب [ ص: 103 ] على شريكه بتعليقه ، وإن اشتراه شراء فاسدا عتق عليه ولزمته قيمته ورد الثمن كمن باع عبدا بثوب فأعتقه ، ثم استحق الثوب ، فعليه قيمة العبد ، وإن قال : إن بعتك فأنت حر ، فاشتراه عتق على البائع ، لأنه مرتهن بيمينه ، وقد صار عتيقا بنفس الموت ، وهذا الوصية ونفس البيع ، قال في النكت : العتق قد لا بين فيه فحنث بعد الموت ، وتارة يكون معلقا على موت ، فلما نشأ به أشار إلى الفرق ، وفرق آخر : أن المدبر لا يباع في الحياة في الدين ، والمعلق عتقه يباع ، لأنه قادر على المر ، والتدبير أقوى لعجزه عن حله : وهذا يقدم إذا ضاق الثلث بعد الموت ، وقوله : إذا أعتقه ، ثم استحق الثوب عليه قيمة قبل ، قيل : إنما رجع بقيمة العبد إذا كان دافع الثوب قد تقدمت له فيه شبهة ملك ، وأما إن تعدى على ثوب رجل فباعه بعد فينتقض عتق العبد ويأخذ عبده ، ووجه تشبيهه : التعليق على البيع بالموت أنه بالموت ، فيصير للوارث ، ولم يمنع ذلك العتق ، كذلك البيع يصير للمشتري فلا يمنع ذلك العتق ، قال سحنون : ومال العبد هاهنا للبائع ، لأن العتق ورد بعد تقريره له بالبيع ، قال عبد الحق : وإن استثنى المشتري ماله بيد العبد ، لأن شراء المشتري قد انتقض بالعتق ، والبائع لم يبقه لنفسه ، فإن قال : إن بعت هذا الشيء فهو صدقة ، فباعه لم ينقض البيع ، بخلاف العتق ، لأن الصدقة لا يجبر على إخراجها ، قال ابن يونس : قال ابن القاسم : من قال : لله علي عتق رقيقي هؤلاء ، فليف ، وإن شاء حبسهم ولا يجبر على عتقهم ، لأنها عدة جعلها لله تعالى ، وإنما يعتقهم الإمام الذي حلف له بعتقهم ، وأما التدبير والوعد فيؤمر بهما من غير جبر ، وقال أشهب في : لله علي عتق رقيقي ، يؤمر ، فإن لم يفعل قضي عليه ، وإن قال : أنا أفعل ، ترك وذاك ، فإن مات قبل أن يفعل لم يعتقوا في ثلث ولا غيره ، قال أبو [ ص: 104 ] إسحاق مكانه عنده ، أوجب على نفسه الفعل ، كما أوجب هبة لمعين ، فإنه يجبر على إنفاذها ، ولا يكون الإيجاب عند ابن القاسم إلا بأن يعتق ، وأما : لله علي ، فعدة لا إيجاب وهو يقول : لله علي أن أصوم غدا ، يجب عليه صيامه ، ولا يقضى به عليه ، قال مالك : ومن قال لعبده : لأعتقنك إن قدمت من سفري ، فهو وعد ، وأرى أن تعتق ، لما نهي عنه من إخلاف الوعد ، قال محمد : ويقضى عليه ، قال سحنون : إن قال : إن بعتك فأنت حر ، فباعه بالخيار ، لا يحنث حتى يقطع الخيار ويتم البيع ، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة : إن قال : إن بعتك فأنت حر ، فباعه ، لا يعتق ، لأنه في ملك الغير إن تحقق الشرط وإلا لم يعتق لعدم تحقق الشرط ، ويؤكد قول مالك الوصية ، فإن له الرجوع فيها ما دام حيا ، ولا يعتق عليه إلا بعد زوال ملكه بالموت ، ولأن عقد العتق تقدم عقد البيع فيقدم أثره عليه ، ولأن السبب قد ينقطع عنه أثره لمانع ، كما إذا قال : إن ملكته فهو صدقة ، أو إن تزوجتها فهي طالق ، فإن العصمة والملك ينتفيان لما تقدم التزامه ، فإن باع نصفه ولم يستثن المشتري الآن ماله ، فنصف مال العبد قد انتزعه البائع ببيعه إياه ، كما يكون انتزاعا لجميعه إذا باع جميعه ، والنصف الثاني باق في ملك العبد ، فإذا عتق عليه النصف الذي لم يبعه بحكم تبع العبد نصف المال الذي بقي على ملكه ، لأنه لم يطرأ عليه انتزاع ، قاله أبو عمران ، قال سحنون : إن قال : إن انتزعت شيئا من مالك فأنت حر ، فباعه من عبد مأذون له في التجارة ، فإن العبد الأعلى حوز الأسفل ، وجميع مال العبد الأعلى للسيد ، لأن الحنث إنما وقع بعد البيع ، ومال العبد إذا بيع للبائع ، ولو لحق البائع دين لانتقض بيعه إذا لم يجاب ، لأنه إذا رد بيع للغرماء ، فالبيع لا بد منه ، ولأنا إنما نقضنا بيعه لحرمة العتق ، وإذا بطل العتق مضى البيع ، قال ابن القاسم : إذا حلف بحرية عبده لا باعه فباعه وملك الثمن ، رد البيع وعتق ، ويتبع المبتاع بالثمن ، لأنه عتق [ ص: 105 ] وعنده وفاء الثمن ، وإن كانت أمة فأولدها المبتاع عتقت على البائع ، ورد الثمن على المشتري ، ويقاصه فيه بقيمة الولد ، قال محمد : لا ثمن على المبتاع فيها ، لأن البائع حنث فيها حين حملت فصارت حرة بما في بطنها من يوم استقرت النطفة ، وكذلك من اشترى جارية فحملت واستحقت فأعتقها سيدها حاملا لا قيمة له في ولدها ، وإن قال لعبده : إن بعتك فأنت حر بعد البيع بسنة ، فباعه ، قال محمد : رد بيعه وعتق عليه إلى سنة ، وإن كان البيع والحرية وقعا معا : فالعتق أولا ، وقيل : لا يلزمه العتق ، قال محمد : ولو كانت أمة فوطئها المشتري وحملت قبل رد البيع ، ولا قيمة عليه للولد ، وتعتق على سيدها إلى سنة ، كما لو باعه معتقه إلى سنة فأولدها المبتاع ، قال محمد : وإن قال : غلامي حر إن بعته ، وغلامك حر إن اشتريته ، فباع غلامه بغلامك ، عتقا عليه ، وعليه قيمة غلامك ، وإن بعت عبدي ميمونا فهو حر ، ثم حلف بحرية آخر ليبيعن ميمونا ، فباع ميمونا ، عتق عليه وبرئ الآخر ، كمن حلف ليبيعن فلانا الحر فباعه رد بيعه وعتق عليه وسائر رقيقه ، لأنه هاهنا حلف على البيع النافذ ، قال ابن القاسم : إن قال : عبدي حر إن بعته ، وحلف آخر أن امرأته طالق ليشترينه ، فباعه منه . حنث البائع والمشتري إن كان المشتري عالما بيمين البائع إذا لم يتم البيع ، وهو مخالف لما تقدم ، وعلى ما تقدم لا يحنث المشتري لأنه قد اشتراه الشراء الذي يرجعه إلى حرية ، وإن لم يعلم باليمين حنث اتفاقا ، وإن حلف بحريته إن باعه ، فباعه بيعا فاسدا حنث ، وهو أحوط ، لأن الضمان فيه من المشتري ، وفي بيع الخيار : الضمان من البائع ، قال اللخمي : اختلف في تعليل : إن بعتك فأنت حر ، قال محمد : وقع البيع والعتق معا ، فقدم العتق ، قاله محمد ، وقاله القاضي إسماعيل : بل معناه : فأنت حر قبل البيع ، وقال سحنون بالإيجاب قبل القبول ، وهل يفتقر عتقه إلى حكم لأنه موضع خلاف ؟ قولان ، والافتقار أجيز بقوة الخلاف .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية