الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 12 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : ومن أقامت بيده دار سنين يكري ويهدم ويبني وقامت بينة أنها لك ، أو لأبيك أو جدك وثبتت المواريث وأنت حاضر تراه يفعل ذلك فلا حجة لك ، أو غائب فقدمت فلك إقامة البينة . وكذلك من حاز على حاضر عروضا أو حيوانا أو رقيقا فلك الدار ، لأن الظاهر من العادة كذب الحاضر والحالة ذلك . ولم يحد مالك في حيازة الربع عشر سنين ولا غيرها . وقال ربيعة : عشر تقطع دعوى الحاضر إلا أن يقيم بينة أنه أكرى أو أسكن أو أعار ونحوه . ولا حيازة على غائب . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من حاز عشر سنين فهو له ) . قال ابن القاسم : لو ورثتها عن أبيك فأقام ابن عمك بينة أنها دار جده فهي حيازة كما تقدم . قال ابن يونس قال سحنون : لما أباح الله تعالى القتال بعد عشر سنين كان ذلك أبلغ شيء في الإعذار ، لقوله تعالى : ( وأمر بالمعروف ) وكل شيء يكذبه العرف والعادة وجب أن لا يؤمر به ، بل يؤمر بالملك للحائز لأنه العرف فيمن رأى هذه التصرفات مع طول السنين من غير مانع ولم يدع ملكا ولا تعرض ويكذب دعواه ، ويصدق الحائز أن ذلك صار إليه ببيع . واختلف في الهبة ، والصدقة أضعفهما . قال : والصواب : التسوية . وحدد ابن القاسم الحيازة بعشر سنين وبثمانية إلى العشرة . وعنه : زرع الأرض عشر سنين يبطل دعوى الأجنبي بخلاف الغرس والبناء . وقال أصبغ : مدة الحيازة المانعة في الثياب والحيوان والعبيد أقصر ، كل شيء بقدره ، فالثوب : السنة إذا ألبس ، والدابة : السنتين إذا ركبت واغتلها على وجه الملك ، والأمة كذلك إلا أن يطأها وهو يعلم ولا ينكر فتسقط حجته وإن لم تطل المدة قبل الوطء ، والعبيد والعروض فوق ذلك قليلا . وقال مطرف : عشر سنين قاطعة في جميع الأشياء ، وقد يكون في بعضها [ ص: 13 ] الخمس والست والسبع والثمان باجتهاد الإمام في ذلك . والبيع والعتق والتدبير والكتابة وإصداق الأمة كوطئها يقطع الحجة إذا علم الطالب ولم يغير ، قام بحدوث ذلك أو بعده . قال : إذا أثبت الطالب أنه لم يزل يخاصم في عشر السنين نفعه ذلك ، ولا يكفي اليومان ثم يمسك . قال : جري القناة سنة لا يمنع أن الجار قد يغفل عن ذلك بخلاف أربع سنين . قال : فإذا فتحت كوة ترى منها ما في دار جارك وأقامت أربع سنين ، ففتح جارك قبالتك كوة فطلبت سدها فطلب الآخر سد القديمة ، يحلف جارك ما ترك القديمة إلا على معنى الجوار وتسد الكوتان . قال ابن القاسم : إذا أقر الحائز أنه ابتاعها منك أو وهبتها له أو تصدقت بها عليه ولم تقم بينة صدق في البيع مع يمينه إذا حازها زمانا يهلك في مثله البينات ، وتحلف أنت في الصدقة والهبة : ما خرجت من مالك وتدفع قيمة ما بنى وما نقصت ، ويصدق هو إن كان ورثها إلا أن تكون أنت غائبا فأنت أولى إلا أن تقيم بينة سماع على الشراء فيما طال زمانه .

                                                                                                                قال مطرف : إذا علم أصل الحيازة بكراء ونحوه فالحق لصاحب الأصل وإن طالت الحيازة ، إلا أن يقيم بينة بالبيع أو الهبة ، أو يحدث فيها بحضرتك ما لا يحدثه إلا مالك وأنت ساكت . ووالد الحائز وولد الولد في جميع ذلك كآبائهم . قال ابن القاسم : لا حيازة على غائب ولو كان على مسيرة أربعة أيام ونحوها وهو يبلغه موت الحائز وأولى وأتت ( كذا ) ولا يطلب ولا يوكل فله القيام ، ولا يقطع دعواه إلا الأمر الغريب ، وليس كل الناس يتيسر عليه الطلب في ذلك ، إلا أن يعلم بذلك ويطول الزمان . ومسألة ابن العم جعل فيها الحيازة بين الأجنبيين والأقارب سواء بخلاف ماله في غير المدونة . قال بعض القرويين : إن كانت القرابة يتسامحون الثلاثين سنة لم تكن حيازة ، وينظر ما يتشاحون فيه ، وينظر في الهدم والبناء ، فإن كانوا لا يفعلونه إلا بعد المقاسمة فهو حوز وإلا فلا ، إلا أن يطول الزمان كالخمسين سنة . وما حاز الوارث بالوطء والبيع والتدبير والكتابة والعطية فذلك يقطع حق باقي الورثة .

                                                                                                                وعن ابن القاسم : الهدم والبناء ونحوه في الحيازة يستوي فيه الورثة والقرابة والأجنبيون في طول ذلك . وعنه : لا يقطع حق الوارث بالبناء والهدم عشر سنين [ ص: 14 ] بخلاف الأجنبي ، ويختص الوارث بما حازه بالوطء والبيع والتدبير والكتابة والعطية بخلاف الغرس والبناء والأربعين سنة ليست طولا ، مات الوارثان أو أحدهما أو بقيا إلا أن يطول جدا . وكذلك المرأة مع ولد زوجها إلا أن يقسموا أو يبيعوا أو يعتقوا بعلمها أو علم وارثها فيقطع حقهم ذلك . فإن فعلوا ذلك في بعض الرقيق في ستر منهم أخذت حقها فيما أعتقوه أو باعوه لأنها تعذر بالسكوت عن اليسير في جنب كثير الميراث . وإن فعلوا ذلك في جل الميراث بطل حقها في الجميع . قال مطرف : لا حيازة بين الشركاء والورثة فيما يزرع أو يسكن لغير عمارة وإن طال الزمان إلا في الخمسين سنة ، ويحدث فيما لم يطل بيع أو هبة أو قسم أو صداق بحضور الباقين ولا يقومون بحدثان ذلك . وما حيز بالهدم والبناء والغرس والإحياء فهم فيه كالأجنبيين . قال ابن دينار : ما حاز الابن من أرض أبيه في حياته بالغرس والبناء والإحياء ولم ينقله الأب حتى مات وطال فهو للولد إن ادعاه ملكا لنفسه ، وإن كان أبوه ينقله من موضع إلى موضع فلا . وعن ابن القاسم : لا حوز بين الوالد والولد لأنه كالحوز للأب إلا ما ينسبه لنفسه بشراء أو صدقة أو هبة . والحد الموضع والمولى والحتز ( كذا ) كالأجنبي . قال مطرف : ما عدا الشركاء والورثة من جميع القرابات : الإخوة وبنوهم ، والأعمام وبنوهم ، والأخوال والأصهار والموالي فكالأجنبي . قال أصبغ : إلا الموالي الخولة المدبرين لأموالهم من الخاصية ، وكذلك الأصهار يكونون خولا ووكلاء لصاحب الأصل أو مختلطين به حدا . ولا حيازة للابن على أبيه وإن كان منقطعا عنه ، قال : وحاصل الخلاف ثلاثة أقوال : الورثة والشركاء صنف لا يقضى لهم إلا بطول الحيازة كالخمسين سنة ، الأجنبيين والقرابة غير الوارثة والأصهار والموالي صنف يقضى لهم بحيازة عشر سنين ويستوون كلهم في بيع المحوز ، وصدقته وهبته ووطئه وكتابته وتدبيره فوت وإن قرب ، واختلف في حوز الورثة بالبناء والهدم فقيل : كالأجنبي ، وقال أشهب : الورثة والأصهار والموالي كالأجنبي يقضى لهم بالعشرة ونحوها . قال سحنون : إذا أدخل في داره من زقاق المسلمين النافذ يزيله الحاكم ولا حوز فيه لأنه طريق المسلمين ، بخلاف الأملاك إلا في نحو ستين سنة [ ص: 15 ] فيترك لأنه لا يعلم بأي وجه وضع . قال اللخمي : كراء الدار أبين من السكنى ، لأنه ليس البنيان فيمن اكترى أن يكري إلا أن يقول : تركت له الكراء ليرتفق به وبينهما مؤاخاة ، فقيل : إن كان يحتاج إلى الرفق ، وإن كان صاحب الدار يحتاج إلى الرفق لم يصدق . والهدم لما يخشى سقوطه لا يمنع . وتسأل الجارية : هل تركت وديعة أو عارية أو إجارة ؟ وهل يودع مثلها لمثله أم لا ؟ وهل هو ممن يؤجر جواريه والآخر ممن يستأجر أم لا ؟ ومتى أشكل الأمر حلف المالك ، ويتبع في ذلك قرائن كل نازلة . وكذلك في القرابة من علم منه المشاحة فهو على حقه وإن طالت السنون ونواريه ( كذا ) .

                                                                                                                نظائر : قال العبدي : يعتبر ما بين الخمسين إلى الستين في خمس مسائل : في الحيازة على الأقارب ، وتعنيس الثيب ، والأربعون دينارا إلى الخمسين مال تجب فيه النفقة في القراض والكسوة ، وكذلك البضاعة ، والخمسون ثمن الرابعية ( كذا ) وقيل في وصي الأم إن الستين دينارا في حيز القليل فيكون وصيا فيه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية