الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                قاعدة : التقديرات الشرعية : إعطاء الموجود حكم المعدوم كما تدعو إليه الضرورة من الجهالة والغرر في العقود ، والنجاسات من دم البراغيث ودماء الجراح في العبادات ، وتقدير عدم العصمة إذا قال لها : أنت طالق اليوم إن قدم زيد غدا ، فإن الإباحة حاصلة اليوم إجماعا ، فإن قدم زيد غدا قدر رفعها ، وكذلك إذا اشترى أمة ووطئها سنة ، ثم ظهر على عيبها فردها وقلنا : الرد بالعيب فسخ للعقد من أصله ، فإن الإباحة السابقة يقدر عدمها ، [ ص: 185 ] وإعطاء المعدوم حكم الموجود ، كتقديم ملك الدية للمقتول خطأ حتى تورث عنه ، فإن الميراث فرع الملك بعد الموت محال ، وقبله في الحياة في الدية محال ، لأن سببها زهوق الروح ، وكتقدير الملك للمعتق عنه ، فيقدر أنه ملكه وأعتق عنه بطريق الوكالة وهو سحه فيما إذا أذن له فيكون ذلك الإذن توكيلا في نقل الملك والعتق ، أو أعتقه عن كفارته بغير إذنه ، فإن كونها واجبة عليه ، وظاهر حاله يقتضي القيام بالواجب فهو كالإذن في العتق ، فإن لم يأذن فهو مشكل في التطوع ، أي أن يلاحظ تغليب حق الله تعالى في العتق عن المسلمين من الزكاة وعن الميت .

                                                                                                                فرع : في الكتاب : إن أعطيته مالا على تعجيل عتق عبده ومدبره : لزمك المال ، والولاء له ، لأنك معين لا معتق ، وإن كان العتق إلى أجل امتنع ، كأخذ المال على الكتابة أو التدبير ، لأنه غرر ، وإن أعتقت العبد عن امرأته الحرة فولاؤه لها ، ولا يفسخ النكاح ، لأنها لم تملكه إلا بدفع مال لك ، لأنه شراء ، وسوى أشهب ، قال ابن يونس : قال محمد : فإن وقع الغرر في العتق إلى أجل ، أو التدبير أو الكتابة ، فيرد ما أخذ من المال ، ولا يكون له من ثمنه شيء لفساد العقد ، وقال أشهب : يمضي ذلك كله ويأخذ المال ، لأن الفاسد يثبت بالعتق ، قال ابن القاسم : إن باعه أن يدبره المبتاع أو يعتقه إلى أجل امتنع ، لأن مقصود العتق قد لا يحصل بموت السيد أو العقد أو حدوث الدين ، فإن فات بالعتق بذلك ، فالولاء للمبتاع ، لتقرر الملك له بالقرب ، وللبائع الأكثر من القيمة يوم القبض ، أو الثمن ، لأنه رضي أن يأخذه بذلك ، وكذلك إن بعتها على أن يتخذها أم ولد ، قال اللخمي في دفع المال ليدبر ، ونحوه : قال سحنون : يوقف المال ، فإن حصلت الحرية أخذه وإلا رده ، وقول أشهب حسن ، لأن هذا يراد به المعروف والتعاون على القرب دون المكايسة ، ولذلك يختلف إذا دفعه على الكتابة ، وإذا [ ص: 186 ] دفعت الزوجة مالا لسيد زوجها على أن يعتقه ، ولم تقل : عني ، فالولاء للسيد ، والزوجية باقية ، لأنها لم تملكه ، أو قالت : عني ، فالولاء لها ، وانفسخ النكاح عند ابن القاسم ، لأنها ملكته ، ولا ينفسخ عند أشهب ، لأنها لم تسره وإنما أعانت حروفا ، وإن قالت : أعتقه ولم تقل : عني ، فالولاء له ، والنكاح باق ، وإن سألته أن يعتقه عنها ، فالولاء لها ، وينفسخ النكاح على قول ابن القاسم ، لأنها استوهبته دون أشهب ، وإن أعتق عنها بغير أمرها فالولاء لها والنكاح ثابت ، قولا واحدا .

                                                                                                                فرع : في الكتاب : إن أعتق عن أبيه النصراني فلا ولاء له ، وولاؤه للمسلمين ، لأنه لا ميراث مع اختلاف الدين ، وإن كان العبد نصرانيا فولاؤه لأبيه ، وإن أعتق النصراني نصرانيا فأسلم ، وللسيد وارث مسلم رجل كأب وأخ وابن عم ، فولاؤه له ، وإن كان العبد حيا ولا يحجب وارثه ، كما لو مات ولد النصراني مسلما ورثه عصبته المسلمون ، فإن أسلم السيد يرجع إليه الولاء ، وإن أعتق نصراني عبدا قد أسلم أو ابتاع مسلما فأعتقه ، فالولاء لجماعة المسلمين ، ولا يرجع إليه إن أسلم ، فإن أعتق نصراني نصرانيا إلى أجل أو كاتبه فأسلم العبد قبل الأجل بيعت الكتابة وأجل المؤجل ، فإذا حل الأجل وأدى المكاتب عتق ، وولاؤه للمسلمين ، لمنع الكفر من التوارث ، فإن أسلم رجع إليه لزوال المانع ، ولأنه عقد له العتق وهو على دينه ، ولأنه عقد له العتق وهو على دينه ، فإن كان العبد مسلما فأعتقه بتلا ، أو إلى أجل وكاتبه ، ثم أسلم السيد قبل الأجل ، أو أدى الكتابة أو بعد ذلك ، فإن أعتق العبد ، فولاؤه للمسلمين ، وإن أسلمت أم ولده فعتقت عليه فولاؤها للمسلمين ، فإن أسلم رجع إليه ، قال ابن يونس : إذا أعتق نصراني من العرب من بني تغلب عبدا نصرانيا ، ثم أسلم ، فميراثه لعصبة السيد المسلمين ، وجناية العبد بعد إسلامه يعقلها [ ص: 187 ] من تغلب .

                                                                                                                وقال أشهب : إذا أعتق النصراني الذمي نصرانيا فأسلم العتيق ، ثم جنى وسيده نصراني ، لا يلزم ذلك ورثة السيد المسلمين ، ولاقرابته ، وسيده إن أسلم ، بل بيت المال ، لأنه لو أسلم سيده ثم جنى خطأ يبلغ ثلث الدية فأكثر ، لم يكن على عصبته وقومه شيء ، بل بيت المال ، بخلاف القربى ، وإذا دبر النصراني نصرانيا ومات السيد على النصرانية ، عتق في ثلثه ، وولاؤه للمسلمين ، إلا أن يكون لهذا النصراني ورثة مسلمون ، فإن حمل الثلث نصفه رق باقيه ، وإن كان ورثته نصارى بيع عليهم ما رق ، وولاء ما عتق للمسلمين ، وإن كانوا مسلمين : فما رق للمسلمين ، لأن ورثته لا يرثونه ، وإن لم يكن له وارث : فما رق للمسلمين ، والفرق بين ما تركه النصراني من الموالي ، وما تركه من مال : أن الموالي كولد حدث له فأسلم ، لأن الولاء كالنسب ، فإخوته المسلمون يرثونه ، فكذلك يرثون الموالي ، والمال يورث عنه إن كان على دينه لأن شرط التوارث اتحاد الدين ، وإنما كان بيت المال يرث ما تركه النصراني من ولده المسلمين ، لأن السنة مضت أن يرثه عصبته المسلمون ، فصار كمن لا وارث له ، وإذا أعتق الكافر المسلم لا يرجع إليه الولاء إذا أسلم ، لأنه يوم أعتق لم يكن له ولاء ، وإن أعتقه على دينه فولاؤه له ، لأنه يجوز له ملكه فيرجع إلى الإباء بالإسلام ، وإن أسلمت أمته فأولدها بعد إسلامها عتقت عليه ، وولاؤها للمسلمين ، ولا يرجع إليه ، لأنه أولدها بعد إسلامها ، ويمتنع عليه ملكها ، ولو أسلم قبل أن تعتق عليه لبقيت في ملكه وتعتق من رأس ماله بعد موته وولاؤها للمسلمين ، كما لو دبر عبده أو كاتبه بعد إسلامه فلم يؤجل المدبر ، ولا بيعت كتابة المكاتب حتى أسلم السيد ، فإنهما يبقيان على حالهما بيده ، فإذا عتقا فولاؤهما للمسلمين لأنه عقد لهما ذلك ، وهم مسلمون ، وقال ( ش ) و ( ح ) : إن أسلم العبد فأعتقه قبل بيعه عليه فولاؤه له ، لأنه أعتق قبل زوال ملكه ، والولاء لمن أعتق .

                                                                                                                [ ص: 188 ] وجوابه : منعنا من بيعه عليه بعتقه ليبقى له الولاء فيمنع من الولاء كالملك ، وإذا أعتق المسلم نصرانيا : قال مالك : يرثه ولده الذي على دينه دون أخيه وغيره ، لأن الولد مولى من عتق أبوه ، وعنه : يرثه ورثته الكفار ، بل المسلمون ، وعنه : يرثه ابنه وأبوه دون غيره ، وعنه : يرثه إخوته ، قال ابن القاسم : يرثه كل وارث من القرابة ، وقال المخزومي : لا يرثه مولاه أبدا ، بل ولده وإلا فمن أخذ ميراثه من النصارى ، فإن لم يطلب ميراثه أحد ، أوقفناه في بيت المال ، ولا يكون فيئا فتخلص إن لم يترك ورثة ثلاثة أقوال : ماله للمسلمين دون الورثة ، لولده خاصة ، لأبيه وابنه ، لهما ولأخوته ، لكل من يرث من القرابة ، وهو مذهب المدونة ، قال ابن القاسم : إذا كاتب المسلم عبده النصراني ، وكاتب المكاتب عبدا له ، ثم أسلم الأسفل ، أو جهل بيع الكتابة حتى أديا جميعا فعتقا ، فولاء الأعلى لسيده ، ولا يرثه لاختلاف الدين ، بل المسلمون ، وإن أسلم ورثة السيد عند عدم القرابة ، وولاء الأسفل للسيد الأعلى ما دام سيده نصرانيا ، ولو ولد للمكاتب الأعلى ولد بعد العتق فبلغ وأسلم ، ثم مات ورث مولى أبيه ، وإن أعتق عبيدا مسلمين وماتوا ورثهم بيت المال ، لأن ولاءهم لم يثبت لهذا النصراني حين أعتقهم فيجره إلى سيده ، فإن أسلموا بعد العتق ورثهم السيد سيد مولاهم ، أو ولد مسلم إن كان لهذا المكاتب النصراني ، وكل من لا يرجع إلى النصراني ولاؤه إذا أسلم ، فليس لسيده من ذلك الولاء شيء ، فكل ولاء إذا أسلم رجع إليه فذلك الولاء ما دام نصرانيا لسيده الذي أعتقه ، قال اللخمي : إذا أعتق النصراني نصرانيا فله ولاؤه ، ويعقل عنه أهل جزيته ، فإن مات معتقه ، ثم مات العتيق ، ورثه من له الولاء عند أهل دينه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية