الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع في الكتاب : تحلف المرأة في بيتها في اليسير إن كانت ممن لا تخرج ، فبعث القاضي إليها من يحلفها ، ويكفي رجل واحد ، وأم الولد كالحرة ممن لا تخرج أو تخرج ، كما أن العبد ومن فيه بقية رق ، كالحر في اليمين ، والمكاتبة والمدبرة كالحرائر في اليمين ، لأن الأصل : المساواة ، ويحلف النصراني واليهودي في كنائسهم ، وحيث يعظمون ، والمجوسي في بيت ناره ، وحيث يعظم ، في التنبيهات : قوله : لا يحلفون بالله ، ولا يزاد : والذي أنزل التوراة والإنجيل : حمله بعضهم على ظاهره ، ولا يلزمهم تمام الشهادة إذ لا يعتقدونها ، فلا يكلفون ما لا يدينون به ، قاله ابن شبلون ، وألزم غيره اليهود ذلك دون غيرهم ، لأنهم لا يوحدون ، وقيل : مراده : حلف المسلمين ، قاله أبو محمد ، وقيل : يلزم جميع ذلك وإن لم يعتقدوه ، ويجبرون عليه ، ولا يكون ذلك إسلاما منهم ، بل هو حكم يلزمهم من أحكام الإسلام بعقد الذمة ، كقضاء القاضي عليهم بأحكام الإسلام ، وعليه متقدموا الأصحاب ، والمرأة التي لا تخرج كنساء الملوك يبعث لها الإمام من يحلفها في بيتها ولا تمتهن ، وهذا فيما يدعى عليهن ، وأما ما يدعين فيخرجن لموضع اليمين ، وحلفهم سحنون في أقرب المساجد إليهن ، وقيل : لا بد من خروجهن ، فإن امتنعت حكم عليها حكم الملك ، قال : وليس بجيد ، لأنهن [ ص: 70 ] مكرهات فلا لذة مع الإكراه ، وقيل : ما له بال في حق النساء ، هو المال الكثير ، بخلاف الرجال ، وقاله محمد ، وقال محمد : بل ربع دينار ، قال ابن يونس : قال الشيخ أبو الحسن : للطالب تحليف اليهود يوم السبت ، والنصراني يوم الأحد ، ويجبران على ذلك ، قال : أما النصراني فكما ذكر ، لأن من دينهم الامتناع من اليمين في يوم الأحد وغيره ، وأما اليهودي : فشرعه يوم السبت : أن لا يبيع ، ولا يشتري ، ولا يطالب ، ولا يستحلف ، وبذل الجزية على هذا ، فكيف يخالف العقد ؟ بل يؤخر إلى زوال السبت ، وأما تحليفهم بموضع يعظمونه ، فمن شريعتهم . وإذا رد ثوبا بالعيب : قال محمد : إن كان النقص أكثر من ربع دينار حلف بالجامع ، وقيل : بل المراعى إن كان الثوب قائما قيمته ، لأنه يطلب الثمن ، فلا ينظر إلى قيمة العيب ، إلا أن يفوت ، وإذا كان لك ربع دينار لا أقل ولا أكثر ، قال اللخمي : في الكتاب : مستقبل القبلة ، وقال مالك : يحلف جالسا ، وعنه : قائما ، وقاله عبد الملك : إلا في أقل من ربع دينار ، وتحلف المرأة في بيتها جالسة ، وعن مالك : ليس على من حلفه في غير المسجد أن يقوم ، قال : وأرى الاستقبال ، كأن قال الحق دون القيام ، وقد يحسن القيام في القتل ، ولم يقم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللعان إلا في الخامسة أقام المرأة ، وقيل : أقام الرجل في الخامسة ، وليس في الصحيح ، ومن حلف في جميع ذلك أجزأه ، قال محمد : إذا أرادت المجوسية تحلف بالنار منعت ، ولا تحلف إلا بالله ، قال صاحب المنتقى : إنما يحلف فيما عدا مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من المساجد عند المحراب ، وإن لم يكن [ ص: 71 ] بقرب المنبر ، وأعظم شيء في المساجد : المحاريب ، وهو معنى قول مالك ، وإذا كان المحلوف عليه غير مال كالطلاق ونحوه : حلف على المنبر ، وقاله ( ش ) ، وعند ( ش ) : لا يغلظ في المال إلا في مائتي درهم أو عشرين دينارا وعرض يساوي أحدهما ، لأنه يصل بين الغني والفقير ، وجوابه : أن هذا لا يدل على أن ربع الدينار ليس عظيما ، بل كونه سبب القطع يدل على عظمه . والتغليظ عندنا يقع بخمسة أشياء : بالزمان ، وفيه قولان ، وبالمكان ، واللفظ بزيادة الذي لا إله إلا هو واحد ، يقتصر على اسم الله ، والعدد في القسامة ، والهيئة في القيام . واستقبال القبلة ، ووافقنا ( ش ) في الأربعة الأول ، وقال ( ح ) : لا يغلظ بالزمان والمكان في شيء من الأيمان . لنا : قوله تعالى : ( تحبسونهما من بعد الصلاة ) جاء في التفسير : بعد صلاة العصر ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : رجل منع ابن السبيل فضل مائه بفلاة ، ورجل بايع الإمام إن أعطاه وفى له ، وإن لم يعطه خانه ، ورجل حلف على يمين فاجرة بعد العصر ليقتطع بها مال مسلم ) وهو لا يفعل ذلك إلا بإلجاج من الحاكم ، فدل ذلك على أنه لازم ، ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجل وامرأة بعد العصر . وفي الموطأ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 72 ] ( من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده من النار ) وفي رواية الموطأ أيضا : ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه ، حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قالوا : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ، قال : وإن كان قضيبا من أراك ، وإن كان قضيبا من أراك قالها ثلاثا ) ولأن فيه زجرا عن الباطل ، فشرع لتغليظ اللفظ . احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( البينة على من أنكر ) فأطلق ولم يقل مكان ولا غيره ، وفي حديث سهل : ( أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ) ولم يخص ، ولأنه حجة فلا يغلظ كالبينة ، وقياسا على ما دون النصاب .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن ما ذكرناه مقيد ، وما ذكرتموه مطلق ، ولأن ما ذكرتموه إنما سيق لبيان من يتوجه عليه اليمين ، لا لبيان صفة اليمين ، فلا يحتج به فيه على القاعدة المتقدمة .

                                                                                                                وهو الجواب عن الثاني ، وعن الثالث : الفرق ، فإن البينة تخبر عن أمر غيرها ، فلا تهمة ولا تغليظ ، والحالف مخبر عن أمر نفسه فاتهم ، فشرع له الزاجر ، وعن الرابع : أن الاحتياط للمال العظيم دون غيره مناسب في الفرق ، وقال ( ش ) : التغليظ بزيادة لفظ الصفات مستحب في جميع الأحوال ، والقليل والكثير ، فيزيد في : عالم الغيب والشهادة : الرحمن الرحيم ، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية . وذلك عنده مفوض لاجتهاد الحاكم ، وقال ( ح ) : إن استراب منه غلظ ، وإلا اقتصر على قوله : والله ، والاقتصار عند ( ش ) على ذلك مخبر أيضا ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتصر [ ص: 73 ] عليه في تحليف ركانة ، وجوز ( ش ) الاقتصار على صفة واحدة من صفات الذات ، نحو : وعزة الله ، واستحسن ( ش ) التحليف على المصحف وبالمصحف ، واحتج ( ش ) بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف اليهود فقال : أنشدكم بالله الذي أنزل على نبي إسرائيل الكتاب ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ونجى بني إسرائيل من آل فرعون . وجوابه : أنه لله حلف رجلا فقال : والله الذي لا إله إلا هو . ولم يزد ، وافقنا ( ش ) وابن حنبل في أنه لا بد من التحليف بالله في حق المجوسي وغيره ، وإن كان لا يعتقده ، لأنه لا يجوز تعظيم غير الله ، والحلف بالشيء تعظيم له ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ) ولأنه إذا لم يعتقد عظم إثمه قديما . تعجلت عقوبته فاتعظ هو وغيره ، وخالف ابن حنبل فقال : لا تغليظ بزمان ولا مكان ولا لفظ .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية