الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المقدمة

تظل الأفكار والمعتقدات بضاعة محدودة التداول حتى تجد من يحسن الترويج لها، فإذا لم يعرض صاحب الفكرة فكرته عرضا يغري بقبول النظر فيها فإنها بضاعة مزجاة لا زبائن لها، وتبقى حبيسة السطور والصـدور؛ والقيم السماوية لا تنشدها الغريزة الدافعة فتطلب لذاتها، فلم نسمع في ظل انقطـاع صلة الأرض بالسماء التي سبقت ظهور الإسلام وإلى اليوم أن الناس كانوا ينشدون غذاء الروح كما ينشدون غذاء الأبدان، ويبقى التعطش إلى موارد الروح الحقيقية شعورا مكتوما في مكنون النفس لا يظهر بغير الأساليب الملهمة، التي تثير رصيد الفطرة وتحرك كوامنها، لذلك أرسل الله الرسل وأنزل الكتب.

ولأن الدعوة إلى دين الإسلام في كل زمان ومكان هي مهمة المسلمين وهي التفسير الوحيد لصفة الخيرية التي أعطاهم الله إياها، فإن الكثير من شروط النهوض بهذه المهمة لا تزال مفقودة ومنها إتقان الخطاب الدعوي تجاه الآخرين، ومن دون شك فإن هناك عوامل قد أسهمت في الضعف الأسلوبي للخطاب الدعوي اليوم، الذي تفاوت بين الجفوة والشدة، وبين الترقيع والتمييع، من تلك العوامل غياب فقه اللغة الدعوية، وندرة المتخصصين في هذا المضمار، وتسطيح الثقافة الدينية في المؤسسات التعليمية، وندرة التعليم الشرعي الخاص، وإن وجد فبمفردات قديمة في الطرح، عتيقة في الأسلوب.

ومع زحمة الأحداث والنوازل التي حلت بالمسلمين، والهجمة الشرسة الاستعمارية الموجهة ضد الإسلام وأهله، ترسب في النفوس احتقان جهادي عارم، يلهب مشاعر الأمة فتشتعل معه لغة نارية غير مرشدة من قبل شباب ثائر لا تنقصهم الغيرة على الدين، بقدر ما ينقصهم السبيل القويم في الذب عن الدين.. لم ينظروا إلى ثائرة العواطف بنظرات العقول، فجنحوا إلى [ ص: 21 ] الجافي من القول أحيانا أكثر من جنوحهم إلى اللين.. أرادوا إقامة الشرع وتغيير المنكر، ولكن أحيانا بما هو أنكر، فشغل بعضهم نفسه بتحديد مواقع الناس بعدا وقربا من الدين، وإلباسهم جلابيب التقى أو سرابيل الغي والارتداد، وظهرت الكثير من المصطلحات التفتيتية، واللغة الإقصائية، التي تفتقر في كثير من الأحيان إلى الكياسة، وقول التي هي أحسن.

إن هذا النوع من الفلتان الأسلوبي بحاجة إلى وضع ضوابط شرعية، وقواعد لغوية مرعية، تنظم أسلوب التخاطب بين الـملقي والمتلقي في ساحة الدعوة إلى الله تعالى، وتستلهم نصوص الكتاب والسنة، وتستقرئ دروس السيرة، من أجل توطين النفوس المكلومة والثائرة على منهجية ثابتة في اختيار لغة دعوية تتفق والمرجعية، وتتلاءم ومتطلبات الحياة المعاصرة ومقتضياتها.

إن اللغة عوالم وأسرار، ولها في مجال الدعوة خصوصية ليست لغيرها من المجالات، وهي من الدقة بحيث من لا يتضلع بها ربما واجه عواقب الخذلان، ووقع في محاذير شرعية ودعوية، ومن كانت اللغة نقطة ضعفه فلا يأمن أن تقوده نحو مساقات تكون فيها هلكته، ويكون على الناس طليعة فتنة بدل أن يكون دليل هداية.

وإذا كان من المعلوم، عند الأصوليين، أن اللغة أحد مصادر التشريع لأهميتها، لزم أن يكون معلوما لدى الشباب المسلم، أن اللغة في قيادة الناس إلى الله أساس النجاح، وبفقه اللغة وقواعدها وأساليبها، يمكن الوصول إلى تحقيق مقاصد الشرع في المجالات التي نريد، وبالقليل من الأخطاء.

من هنا أقدم هذا الكتاب كمحاولة تنظير لخطاب لغوي جديد، قد يبعد هذا الجهد أو يقرب من المساقات الواجب إحاطتها، ولكنه لن يخلو من موجهات لغوية واضحة، ومحددات أسلوبية مؤصلة، على أمل أن يسهم في تحريك الفعل الدعوي بآلية جديدة، ونفس جديد، مواكبة لمستجدات العصر ومتغيرات الأحداث، لعلنا نصل إلى أجل النتائج بأقل التكاليف، وتلك هي الغاية التي نصبوا إليها. [ ص: 22 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية