الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
خامسا: تنزيه الإرادة الإلهية في مسائل خلافية:

كثير ممن تقمصوا عباءة الزعـامة الدينيـة من الأحداث في عصرنا هذا لا تفتأ العبارات الإسلامية جارية على ألسنتهم، حتى وهم يتحدثون عن ممارسات خاطئة قاموا بها، كقتل الأبرياء في أوضاع خلاف وفتنة .. فإذا ظهر أحدهم لشرح موقفه من الآخر تجده يجعل الله في صفه بالإكثار من عبارات الدين كقولهم: (نحن نعمل بإرادة الله تبارك وتعالى)، (هدفنا - ولله الحمد- رفع راية الدين)، (هذا من فضل الله عز وجل علينا)، (لن نسخط الله من أجل إرضاء الآخرين)؛ هذه اللغة الحشرية لاسم (الدين) و (الله) و (الإسلام) في مسائل خلافية قد تكون مصطنعـة، وبمثابة قشرة ظاهرة لا تدل على اللب، أما التكوين الفكري فهو مشبع بالمخالفات الدينية. [ ص: 85 ]

إن اللغة الاحترازية المؤدبة هي التي لا تجعل الاجتهادات البشرية عين المشيئة الإلهية، من يستطيع أن يجزم أن رأيه في مسائل خلافية يمثل إرادة الله؟ ومهمة المولى، عز وجل، لم تتوقف عند المصادقة على رأي طرف دون الآخر! إنه تصور خاطئ فيه ما فيه من إساءة الأدب وعدم التورع.

ولا تكاد تجد طائفة دينية -كما أشرنا- إلا وهي تسند كل أعمالها واجتهاداتها إلى مشيئة الله وإلى الدين مهما اقترفت من جرائم فادحة واجتهادات قادحة، وحشر الدين في ظروف كهذه ستحمله عبء أوزار الآخرين، والصحيح أن يسند الداعية أو الجماعة المدعية أفعالها إلى نفسها، كأن تقول: (فعلنا كذا - رأينا كذا- اجتهدنا كذا) وتترك الإسلام بعيدا عن تجديفها، فإن أصابت علم الناس بالنتيجة أن مكونها الفكري قد جاء بالأمور السليمة، وإن أخطأت فخطؤها على نفسها، والنبي صلى الله عليه وسلم يعطينا درسا عمليا في إسناد الاجتهادات إلى النفس غاية في الأهمية.

فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ) ثم أورد الحديث إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( .. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا ) [1] . [ ص: 86 ]

فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا مسألة التفريق بين ما هو من عند الله وما هو اجتهاد بشري، فما كان من اجتهاد الناس فـلا يجب أن ينسب إلى الله، وإنما تفعل ذلك الجبرية.

التالي السابق


الخدمات العلمية