الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
2- التدرج في استخدام الأسماء والضمائر:

من تدرج روابط الاتصال في استخدام الضمير، بين المتكلم والمخاطب، العدول عن ذكر ضمير الغيبة إلى المخاطب مباشرة، ومن المخاطب إلى ذكر الاسم مجردا، ومنه إلى ذكر الاسم مع الثناء وعبارات التقدير، أو مع النسبة إلى الضمير، وفي ذلك مصالح لغوية في سياق التأليف، وتضييق الهوة الشعورية الفاصلة.

وإذا كان الحديث في معرض النقـد والتصـويب موجها لشخص حاضر - على سبيل التمثيل- فليس من حسن التخاطب تجاهله وتحاشي ذكر اسمه مثل: (هناك من الناس من يزعم...)، (هذا الذي ظهر علينا ليقول...)، أو (لا يشرفني أن أتكلم مع أناس...) وقد يكون المعـني بهـذا حاضرا يسمع؛ أو كالأسلوب التقليدي: (هذا ما عليه أصحابنا ولا شأن لي بما ذهب إليه القوم)، ويصبح التجاهل هو بوابة التحاور التي تظل بهذه الشاكلة مغلقة!

والحقيقة أن اللغة المنفتحة في مقام الخطاب المباشر هي التي تتلمس ذكر الأسماء - كما سبق - وكذا إيراد الضمائر وهي تتدرج في تقريب مسافة من الغيبة (ضمير البعد) (هم - هي - أولئك)، إلى المخاطب (أنتم - أنت - قولك)، إلى ضمير الجماعة الذي يشمل الطرفين (نحن - قضيتنا - حوارنا)؛ وظهور عبارات التقدير - من دون إسراف - دليل مودة وأكثر لياقة، على أن هذا ليس مطردا في شتى المواطن وإن كان ذلك هو الأصل، وقد رأينا كيف جاءت الآيات في معرض الحديث عن مواقف حوارية مع الطرف الآخر تشير إلى ضمائر الحضور (أنتم.. إياكم.. تجرمون.. تعملون..) واستعمال الحضور تشي بالقرب المادي وتشعر بالقرب النفسي وعدم التجاهل، وقد يسمح المقام بتعزيز ضمير المخاطب بوصف تحفيزي مثل: (أنت لا ينقصك العقل الراجح، [ ص: 63 ] والنظر الثاقب)، (مثلكم لا تفوتهم مثل هذه الأمور)، (أنت ممن يذكر بخير ويأمل فيه الإنصات إلى صوت الحق).

وقد وجدنا بعض أعضاء التيارات يسرف في التبسط عند مخاطبة أحد أفراد جماعته إذا اختلف معه في مسألة، ويخاطبه بأحسن أسمائه ويضفيه إليه بالأخوة والأستاذية، ويكثر من الجمل الاعتراضية في الدعاء له والثناء عليه مثل - حفظك الله - أعلى الله مقامك - سلمك الله، وعندما يسيل قلمه أو يطلق لسانه في فرد من غير جماعته يخالفه الرأي، يتكلم بضمير الغائب بصورة استعلائية متهكمة، مثل: (لقد طالعنا رجل أعمى البصر والبصيرة يقول كذا وكذا)، (لقد قرأنا لرأس الفتنة والضلال قولا يقول فيه كذا...) ثم يرجمه بأغلظ العبارات، ويسلكه الشيطان مسالك ينتهي به إلى غير مسالك الدعاة، ولا غضاضة في أن يحدث مثل هذا كاستثناء، وأن يلجأ إليه الداعية لجوء المضطر، ولكن المشكلة أن يصبح هذا هو منهجية ترى أن الانفتاح مع المخالف تمييع لمبدأ الولاء والبراء.

وما أكثر الجهود التي بددت في تأليف الكتب والرسائل التي تنهال على أفكار الدعاة المخالفين بعبارات حارقة خارقة، ولو فتشت في الكثير من الأحيان ستجد أن أيا منهم لم يستقل بالحقيقة الكاملة، فكل له دليله، وهذا يعني أن الانفتاح والحوار بالتي هي أحسن هو الكفيل بترجيح المواقف والوصول إلى صائب الرأي.

ومن غير شك أن شدة اللجج واللدد بين أبناء الصف الواحد يجعل مؤهلاتهم لدعوة غير المسلمين صفرا، فإذا كان هذا التجافي والتعامل بخطاب المفاصلة والكراهية بين أبناء الملة، الذين يجتمعون على ما يزيد عن 95% من نقاط الالتقاء فكيف سيكون الأمر مع كفار يختلفون عنا بزاوية تسعين درجة نطمع أن يدخلوا في الإسلام وينتظموا في سلك الموحدين. [ ص: 64 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية