الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
56 - باب في استقراض الحيوان والسلف فيه وبيع بعضه ببعض متفاضلا

11595 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو محمد بن يوسف، وأبو بكر القاضي، وأبو زكريا المزكي، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قد استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا، فجاءته إبل من إبل الصدقة، فقال أبو رافع: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره، فقلت: يا رسول الله. إني لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء" . [ ص: 191 ] أخرجه مسلم، من حديث مالك.

11596 - وأخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة، عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ح.

11597 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال: أعطوه، فطلبوا، فلم يجدوا إلا سنا فوق سنه، فقال: "أعطوه" فقال: أوفيتني، أوفاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن خياركم أحسنكم قضاء". رواه البخاري في الصحيح، عن أبي نعيم، وأخرجه مسلم، من وجه آخر عن سفيان . [ ص: 192 ]

11598 - قال الشافعي في القديم: أخبرنا رجل، عن عبد المجيد بن سهيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

11599 - قال الشافعي في الجديد: فهذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه آخذ، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن بعيرا بالصفة، وفي هذا ما دل على أنه يجوز أن يضمن الحيوان كله بصفة في السلف وغيره، وفيه دليل على أن لا بأس أن يقضي أفضل مما عليه متطوعا.

11600 - واحتج الشافعي بأمر الدية فقال: قد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية مائة من الإبل، ولم أعلم المسلمين اختلفوا أنها بأسنان معروفة في مضي ثلاث سنين، وأنه عليه السلام افتدى كل من لم يطب عنه نفسا من قسم له من سبي هوازن بإبل سماها ست أو خمس إلى أجل.

11601 - قال أحمد: وهذا فيما رواه أهل المغازي، وفيما رواه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

11602 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قالا: أخبرنا مالك بن أنس، عن صالح بن كيسان، عن الحسن بن محمد بن علي، عن علي بن أبي طالب: "أنه باع جملا له يدعى عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل".

11603 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة يوفيها صاحبها بالربذة".

11604 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة، عن الليث بن سعد، عن أبي الزبير ، [ ص: 193 ] عن جابر قال: جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعر، أو قال: لم يسمع أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بعه"، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدا بعده حتى يسأله: "أعبد هو أو حر".

11605 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عبد الكريم الجزري أخبره، أن زياد بن أبي مريم مولى عثمان بن عفان أخبره: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصدقا، فجاءه بظهر مسنات، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلكت وأهلكت"، فقال: يا رسول الله، إني كنت أبيع البكرين والثلاث بالبعير المسن يدا بيد، وعلمت من حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فذلك إذا".

11606 - قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: هذا منقطع، وقوله: إن كان قال: "هلكت وأهلكت"، يعني: أثمت وأهلكت أموال الناس إذ أخذت منهم ما ليس عليهم، وقوله: علمت حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر، يعني: ما يعطيه أهل الصدقة في سبيل الله، ويعطي ابن السبيل منهم وغيرهم من أهل السهمان، والله أعلم.

11607 - وذكر الشافعي هاهنا حديث ابن عباس في جواز بيع البعير بالبعيرين، وقد مر في أول كتاب البيوع.

11608 - وروينا عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "أنه كان لا يرى بأسا بالسلف في الحيوان".

11609 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة قال: أخبرنا الفضل بن خمارويه قال: أخبرنا أحمد بن نجدة قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عبيدة، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس، بذلك . [ ص: 194 ]

11610 - وذكر الشافعي قول ابن شهاب في بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل قال: لا بأس به، وقد مضى ذكره.

11611 - قال الشافعي: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: "لا ربا في الحيوان، وإنما نهي من الحيوان عن ثلاث، عن المضامين، والملاقيح، وحبل الحبلة".

11612 - قال: والمضامين: ما في بطون الإناث، والملاقيح: ما في ظهور الجمال، وحبل الحبلة: بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه، كان الرجل يتبايع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج ما في بطنها ". وهذا فيما أنبأني أبو عبد الله إجازة، أن أبا العباس حدثهم قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك، فذكره.

11613 - وأخبرنا أبو زكريا قال: أخبرنا أبو الحسن الطرائفي قال: حدثنا عثمان الدارمي قال: حدثنا القعبني، فيما قرأ على مالك فذكره بإسناده ومعناه. وذكر تفسير المضامين والملاقيح مدرجا في الحديث، وأنا أظن أن هذا التفسير من جهة مالك.

11614 - وفي رواية المزني، عن الشافعي، أنه قال: المضامين: ما في ظهور الجمال، والملاقيح: ما في بطون الإناث. قال المزني: وأعلمت بقوله عبد الملك بن هشام، فأنشدني شاهدا له من شعر العرب . [ ص: 195 ]

11615 - قال أحمد: وكذلك فسره أبو عبيد كما قال الشافعي.

11616 - وفيما أنبأني أبو عبد الله، إجازة، أن أبا العباس حدثهم قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، أنه قال: "وليبتع البعير بالبعيرين يدا بيد وعلى أحدهما زيادة ورق، والورق نسيئة".

11617 - قال الشافعي: وبهذا كله أقول.

11618 - قال الشافعي: فخالفنا بعض الناس في الحيوان، فقال: لا يجوز أن يكون الحيوان نسيئة أبدا، فناقضتهم بالدية، وبالكتابة على الوصفاء بصفة، وبأصداق العبيد والإبل بصفة.

11619 - قال: فإنما كرهنا السلم في الحيوان لأن ابن مسعود كرهه.

11620 - قال الشافعي: وهو منقطع عنه.

11621 - قال أحمد: وهذا لأنه إنما يرويه عنه إبراهيم النخعي.

11622 - قال الشافعي: ويزعم الشعبي الذي هو أكبر من الذي روى عنه كراهيته أنه إنما أسلف له في لقاح فحل إبل بعينه، وهذا مكروه عندنا، وعند كل أحد، هذا بيع الملاقيح والمضامين أو هما.

11623 - قال الشافعي: وقلت لمحمد بن الحسن: أنت أخبرتني عن أبي يوسف، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري: أن بني عم لعثمان بن عفان أتوا واديا فصنعوا شيئا في إبل رجل قطعوا به لبن إبله، وقتلوا فصالها، فأتي عثمان بن عفان، وعنده ابن مسعود، فرضي بحكم ابن مسعود فحكم أن يعطى بواديه إبلا مثل إبله، وفصالا مثل فصاله، فأنفذ ذلك عثمان . [ ص: 196 ] فتروي عن ابن مسعود أنه يقضي في الحيوان بحيوان مثله دينا؛ لأنه إذا قضى به بالمدينة، وأعطاه بواديه كان دينا.

11624 - وتريد أن تروي عن عثمان أنه يقول بقوله.

11625 - وأنتم تروون عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أسلم لعبد الله بن مسعود في وصفاء، أحدهم أبو زيادة أو أبو زائدة مولانا، وتروون عن ابن عباس: أنه أجاز السلم في الحيوان، وعن رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

11626 - قال أحمد: وروينا عن الشيباني، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أسلم عبد الله في وصفاء.

11627 - وروى أبو حسان الأعرج قال: سألت ابن عمر، وابن عباس، عن السلم في الحيوان، فقالا: "إذا سمى الأسنان والآجال فلا بأس".

11628 - وروي، عن أبي نضرة، أنه سأل ابن عمر عن السلف في الوصفاء، فقال: "لا بأس به".

11629 - وروي عن ابن عمر، أنه كرهه، وكذلك عن حذيفة، والحديث عنهما منقطع، وهو عن ابن عمر، وابن عباس موصول بقولنا.

11630 - قال الشافعي في القديم: وقد يكون ابن مسعود كرهه تنزها عن التجارة فيه، لا على تحريمه.

[ ص: 197 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية