الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
65 - بيع رباع مكة وكرائها

11675 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي العمري قال: حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي، وكان من الإسلام بمكان قال: رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس، ورأيت إسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل حاضرين، قال أحمد بن حنبل لإسحاق: يا أبا يعقوب، تعال أريك رجلا لم تر عيناك مثله، فقال له إسحاق: لم تر عيناي مثله؟ قال: نعم، فجاء به فأوقفه على الشافعي، فذكر القصة إلى أن قال: ثم تقدم إسحاق إلى مجلس الشافعي، وهو مع خاصته جالس فسأله عن سكنى بيوت مكة، أراد الكراء، فقال له الشافعي: عندنا جائز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عقيل من دار؟". فقال له إسحاق بن إبراهيم: أتأذن لي في الكلام قال: تكلم.

11676 - فقال: حدثنا يزيد بن هارون، عن هشام، عن الحسن، أنه لم يكن يرى ذلك.

11677 - وأخبرنا أبو نعيم، وغيره، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، أنه لم يكن يرى ذلك. وعطاء، وطاوس لم يكونا يريان ذلك.

11678 - فقال الشافعي لبعض من عرفه: من هذا؟ فقال: هذا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بن راهويه الخراساني ، [ ص: 213 ] فقال له الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم قال إسحاق: هكذا يزعمون. قال الشافعي: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بعرك أذنيه. أنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: عطاء وطاوس والحسن، هؤلاء لا يرون ذلك، وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؟.

11679 - فذكر قصة إلى أن قال: فقال الشافعي: قال الله عز وجل: ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ) . فنسب الديار إلى المالكين أو إلى غير المالكين؟ قال إسحاق: إلى المالكين.

11680 - فقال له الشافعي: قول الله عز وجل أصدق الأقاويل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن". نسب الدار إلى مالك أو إلى غير مالك؟ قال إسحاق: إلى مالك.

11681 - فقال له الشافعي: وقد اشترى عمر بن الخطاب دار الحجامين فأسكنها، وذكر له جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له إسحاق: اقرأ الآية. قال الله تعالى: ( سواء العاكف فيه والباد ) .

11682 - فقال له الشافعي: اقرأ أول الآية. قال: ( والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ) . ولو كان هذا كما تزعم لكان لا يجوز أن ننشد فيها ضالة، ولا نتجر فيها البدن، ولا ننثر فيها الأرواث، ولكن هذا في المسجد خاصة.

11683 - قال: فسكت إسحاق ولم يتكلم، فسكت عنه الشافعي.

[ ص: 214 ] 11684 - قال أحمد: وأما الذي روي، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه، عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مكة مناخ، لا تباع رباعها، ولا تؤاجر بيوتها".

11685 - فإسماعيل بن إبراهيم هذا وأبوه ضعيفان.

11686 - وروي عن عبيد الله بن أبي زياد، عن أبي نجيح، عن عبد الله بن عمرو، أنه قال: "إن الذي يأكل كراء بيوت مكة إنما يأكل في بطنه نارا".

11687 - فهكذا رواه عنه جماعة موقوفا.

11688 - وروي عنه مرفوعا: "مكة حرام، وحرام بيع رباعها، وحرام أجر بيوتها".

11689 - ولو صح مثل هذا لقلنا به، إلا أنه لا يصح رفعه، وفي ثبوته عن عبد الله بن عمرو أيضا نظر.

11690 - وأما الذي روي، عن علقمة بن نضلة الكناني، أنه قال: "كانت بيوت مكة تدعى السوائب، لم تبع رباعها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبي بكر، ولا عمر، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن".

11691 - فهذا خبر عن عاداتهم الكريمة في إسكانهم ما استغنوا عنه من بيوتهم.

11692 - وأما جواز البيع وجريان الإرث فيها، فقد روينا، عن عبد الرحمن بن فروخ، أنه قال: "اشترى نافع بن عبد الحارث من صفوان بن أمية دار السجن لعمر بن الخطاب".

[ ص: 215 ] 11693 - روينا، عن عمرو بن دينار أنه سئل عن كراء بيوت مكة، فقال: "لا بأس به، الكراء مثل الشرى، وقد اشترى عمر بن الخطاب من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف درهم".

11694 - وروينا، عن عبد الله بن الزبير: "أنه كان يعتد بمكة ما لا يعتد بها أحد، أوصت له عائشة بحجرتها، واشترى حجرة سودة".

11695 - وقال الزبيري: "باع حكيم بن حزام دار الندوة من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف".

11696 - وقد حدثنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا بحر بن نصر قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: أخبرني علي بن حسين، أن عمرو بن عثمان، أخبره عن أسامة بن زيد، أنه قال: يا رسول الله، أتنزل في دارك بمكة قال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟". وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه علي ولا جعفر شيئا؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل، وطالب كافرين. أخرجه البخاري، ومسلم في الصحيح، من حديث ابن وهب.

11697 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال: أخبرنا أبو الحسن الطرائفي قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن [ ص: 216 ] معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( سواء العاكف فيه والباد ) . يقول: "نزل في أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام".

11698 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن قال: حدثنا إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا آدم قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ( سواء العاكف فيه والباد ) : " العاكف فيه: يعني الساكن بمكة، والباد: يعني الجالب. يقول: حق الله عليهما سواء ".

[ ص: 217 ] [ ص: 218 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية