الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
55 - باب السلف والرهن

11568 - أخبرنا أبو بكر بن الحسن، وأبو زكريا يحيى بن إبراهيم، وأبو سعيد محمد بن موسى، قالوا: حدثنا أبو العباس الأصم قال: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان، عن أيوب، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس قال: " أشهد أن السلف المضمون إلى أجل [ ص: 184 ] مسمى قد أحله الله في كتابه، وأذن فيه، ثم قال: ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) الآية.

11569 - قال الشافعي في رواية أبي سعيد: فإن كان كما قال ابن عباس أنه في السلف قلنا به في كل دين قياسا عليه؛ لأنه في معناه، والسلف جائز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآثار، وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته.

11570 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو عبد الله، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قدم المدينة وهم يسلفون في الثمر السنة والسنتين وربما قال: السنتين والثلاث، فقال: "من سلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، وأجل معلوم".

11571 - قال الشافعي: حفظته كما وصفت من سفيان مرارا، وأخبرني من أصدق عن سفيان أنه قال كما قلت، وقال في الأجل: "إلى أجل معلوم".

11572 - أخرجه البخاري، ومسلم، من أوجه عن سفيان، وقالوا في الحديث: "إلى أجل معلوم".

11573 - ورواه سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح، وقال: وهم يسلفون في الثمار في سنتين وثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلفوا في الثمار في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم".

[ ص: 185 ] 11574 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سالم القداح، عن ابن جريج عن عطاء، أنه سمع ابن عباس، يقول: "لا نرى بالسلف بأسا، الورق في شيء، الورق نقدا".

11575 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سالم القداح، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، أن ابن عمر، كان يجيزه.

11576 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك، عن نافع، أنه كان يقول: "لا بأس أن يسلف في طعام موصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى".

11577 - هكذا وجدته، ورواه غيره عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر.

11578 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن علية، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين: أنه سئل عن الرهن في السلف، فقال: "إذا كان البيع حلالا فإن الرهن مما أمر به".

11579 - وبإسناده قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، أنه كان لا يرى بأسا بالرهن والحميل في السلم وغيره .

[ ص: 186 ] 11580 - وبإسناده قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء: "أنه كان لا يرى بأسا أن يسلف الرجل في الشيء يأخذ فيه رهنا أو حميلا" قال: "ويجمع الرهن والحميل، ويتوثق ما قدر عليه من حقه" وبإسناده قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن جعفر بن محمد، عن أبيه،: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي، رجل من بني ظفر ".

11581 - وأخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي، فذكر حديث الرهن عند أبي الشحم اليهودي.

11582 - وأخبرنا أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة، عن أيوب بن أبي تميمة، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندي".

11583 - قال الشافعي: يعني بيع ما ليس عندك، وليس بمضمون عليك.

[ ص: 187 ] 11584 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: " وإذ أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف في التمر السنتين بكيل ووزن وأجل معلوم كله، والتمر قد يكون رطبا، فقد أجاز أن يكون الرطب سلفا مضمونا في غير حينه الذي يطيب فيه؛ لأنه إذا سلف سنتين كان بعضها في غير حينه.

11585 - قال: والسلف قد يكون بيع ما ليس عند البائع، فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيما عن بيع ما ليس عنده، وأذن في السلف، استدللنا على أنه لا ينهى عما أمر به، وعلمنا أنه إنما نهى حكيما عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونا عليه، وذلك بيع الأعيان ".

11586 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه كان لا يرى بأسا أن يبيع الرجل شيئا إلى أجل معلوم ليس عنده أصله".

11587 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، مثله.

11588 - قال الشافعي في رواية أبي سعيد: وإذ أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الطعام بصفة إلى أجل، كان والله أعلم بيع الطعام بصفة حالا أجوز وأخرج من معنى الغرر، وبسط الكلام في شرحه . [ ص: 188 ]

11589 - قال: وقوله: في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم، أظنه أراد لما ذكر الوزن مع الكيل، دل أنه أراد إذا سلف في كيل أن يسلف في كيل معلوم، وإذا سلف في وزن أن يسلف في وزن معلوم، وإذا سمى أجلا أن يسمي أجلا معلوما.

11590 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، أنه سأل عطاء، فقال له: رجل سلفته ذهبا في طعام يوفيه قبل الليل، ودفعت إليه الذهب قبل الليل، وليس الطعام عنده؟ قال: "لا، من أجل السلف، وقد علم كيف السوق وكم السعر" قال ابن جريج: فقلت له: لا يصلح السلف إلا في الشيء المستأخر؟ قال: "لا، إلا في الشيء المستأخر الذي لا يعلم كيف يكون السوق إليه، يربح أم لا". قال ابن جريج: ثم رجع عن ذلك بعد.

11591 - قال الشافعي: معنى أجاز السلف حالا، وقوله الذي رجع إليه أحب إلي، وليس في علم واحد منهما كيف يكون السوق شيئا يفسد بيعا. وبسط الكلام فيه.

11592 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا يحيى بن سلام قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من أعرابي جزورا بتمر، وكان يرى أن التمر عنده، فإذا بعضه عنده وبعضه ليس عنده، فقال: "هل لك أن تأخذ بعض تمرك وبعضه إلى الجذاذ؟" فأبى، فاستلف له النبي صلى الله عليه وسلم تمره فدفعه إليه " . [ ص: 189 ]

11593 - تابعه يحيى بن عمير مولى بني أسد، عن هشام. وفي هذا دلالة على جواز السلم الحال.

11594 - وروينا في حديث طارق بن عبد الله في ابتياع النبي صلى الله عليه وسلم جملا بكذا وكذا صاعا من تمر خارج المدينة، وأخذه الجمل ورجوعه إلى المدينة، ثم إيفاده بالتمر، وقول الرسول: "أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا". صلى الله عليه وسلم، وجزاه عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته.

[ ص: 190 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية