الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 312 ]

12004 - قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: وبهذا نأخذ، فنقول: لا شفعة فيما قسم اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

12005 - قال الشافعي: وقد روي حديثان، أما أحدهما: فإن سفيان أخبرنا عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الجار أحق بشفعته".

12006 - قال الشافعي: وروي في، حديث بعض من خالفنا أنه كان لأبي رافع بيت في دار رجل، فعرض البيت عليه بأربعمائة، وقال: قد أعطيت به ثمان مائة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بسقبه".

12007 - قال أحمد: وهذه الزيادة في حديث سفيان بن عيينة، وابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة، إلا أن سفيان كان يرويه مرة مختصرا، ومرة بطوله، وقد أخرجته من حديث سفيان في كتاب السنن.

12008 - وأما من حديث ابن جريج، فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر بن حمدان الصيرفي قال: حدثنا عبد الصمد بن الفضل، حدثنا مكي بن إبراهيم قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، أخبره قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص، فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد، ابتع مني بيتين في دارك؟ فقال سعد: والله لا أبتاعهما فقال المسور: والله لتبتاعنهما، فقال سعد: لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو قال: مقطعة فقال أبو رافع: والله لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بسقبه" ما أعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا أعطى بها خمس مائة دينار، وأعطاه إياهما . [ ص: 313 ] رواه البخاري في الصحيح، عن مكي بن إبراهيم.

12009 - أخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: أبو رافع فيما رويت عنه، متطوع بما صنع، وحديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمله، وقولنا عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوص لا يحتمل تأويلا.

12010 - قال: وقوله: الجار أحق بسقبه، لا يحتمل إلا معنيين لا ثالث لهما، أن يكون أراد أن الشفعة لكل جار أو أراد بعض جيران دون بعض.

12011 - وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا شفعة فيما قسم، فدل على أن الشفعة للجار الذي لم يقاسم دون الجار المقاسم.

12012 - قال: فيقع اسم الجوار على الشريك.

12013 - قلت: نعم، وعلى الملاصق، وغير الملاصق. أنت تزعم أن الجوار أربعون دارا من كل جانب.

12014 - قال: أفتوجدني ما يدل على أن اسم الجوار يقع على الشريك.

12015 - قلت: زوجتك التي هي في بيتك يقع عليها اسم جوار.

12016 - قال حمل بن مالك بن النابغة: كنت بين جارتين لي، يعني ضرتين.

12017 - وقال الأعشى: [ ص: 314 ]

أجارتنا بيني فإنك طالقة وموموقة ما كنت فينا ووامقة     أجارتنا بيني فإنك طالقة
كذاك أمور الناس تغدو وطارقة     وبيني فإن البين خير من العصا
وأن لا تزالي فوق رأسك بارقة     حبستك حتى لامني كل صاحب
وخفت بأن تأتي لدي ببائقة



12018 - قال الشافعي في القديم في غير هذه الرواية: فقال عروة بن الزبير: وافق طلاق الأعشى ما نزل من القرآن في الطلاق.

12019 - قال الشافعي في روايتنا: وروى غيرنا، عن عبد الملك بن أبي [ ص: 315 ] سليمان، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجار أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائبا، إذا كانت الطريق واحدة".

12020 - تكلم الشافعي على الخبر ثم قال: سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول: نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظا.

12021 - قيل له: ومن أين؟.

12022 - قلت: إنما رواه عن جابر بن عبد الله.

12023 - وقد روى أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر، مفسرا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة".

12024 - قال: وأبو سلمة من الحفاظ.

12025 - وروى أبو الزبير، وهو من الحفاظ، عن جابر، ما يوافق قول أبي سلمة، ويخالف ما روى عبد الملك بن أبي سليمان.

12026 - قال الشافعي: وفيه من الفرق بين الشريك وبين المقاسم، فكان أولى الأحاديث أن يؤخذ به عندنا، والله أعلم؛ لأنه أثبتها إسنادا، وأبينها لفظا، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأعرفها في الفرق بين المقاسم وغير المقاسم.

12027 - قال أحمد: قد روينا عن شعبة، أنه رغب عن حديث عبد الملك بن أبي [ ص: 316 ] سليمان، وسئل، أحمد بن حنبل عن حديثه في الشفعة فقال: هذا حديث منكر.

12028 - وقال أبو عيسى الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري، عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به.

12029 - ويروى عن جابر، خلاف هذا.

12030 - قال أبو عيسى: وإنما ترك شعبة حديث عبد الملك لحال هذا الحديث.

12031 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الحافظ قال: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان قال: حدثني محمد بن أبي صفوان الثقفي قال: سمعت أمية بن خالد، يقول: قلت لشعبة: ما لك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: تركت حديثه قال: قلت: يحدث عن محمد بن عبيد الله [ ص: 317 ] العرزمي، وتدع حديث عبد الملك وقد كان حسن الحديث؟ قال: " من حسنها فررت.

12032 - أنبأني أبو عبد الله، إجازة، عن الدارمي قال: سمعت الإمام أبا بكر، يقول: سمعت أحمد بن سعيد، يقول: سمعت مسددا، وغيره، من أصحابنا، عن يحيى بن سعيد قال: قال شعبة: لو أن عبد الملك بن أبي سليمان حدثنا بمثله آخر واثنين لترك حديثه، يعني الشفعة.

12033 - ورواه أبو قدامة، عن يحيى بن سعيد القطان، من قوله: قال: لو روى عبد الملك بن أبي سليمان، حديثا آخر مثل حديث الشفعة لتركت حديثه.

التالي السابق


الخدمات العلمية