الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3 - باب خيار المتبايعين

10957 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا، وأبو محمد بن يوسف، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار" . [ ص: 14 ] رواه البخاري في الصحيح، عن عبد الله بن يوسف، ورواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، كلاهما، عن مالك.

10958 - وأخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي قال: وأخبرنا، عن ابن جريج قال: أملى علي نافع مولى ابن عمر: أن عبد الله بن عمر أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايع المتبايعان البيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار". .

10959 - قال نافع: كان عبد الله بن عمر إذا ابتاع البيع فأراد أن يوجب البيع مشى قليلا ثم رجع.

10960 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه، أخبرنا أبو النضر شافع بن محمد، أخبرنا أبو جعفر بن سلامة، حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، حدثنا [ ص: 15 ] الشافعي، أخبرنا سفيان، أخبرنا ابن جريج، فذكره بإسناده ومعناه. قال: فكان ابن عمر إذا بايع الرجل ولم يخيره فأراد أن لا يقيله قام هنيهة ثم رجع. رواه مسلم في الصحيح، عن ابن أبي عمر، وغيره عن سفيان.

10961 - وأخبرنا أبو إسحاق، أخبرنا أبو النضر، أخبرنا أبو جعفر، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، عن يحيى بن حسان، عن الليث بن سعد، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر، فإذا خير أحدهما الآخر وتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع". . رواه البخاري في الصحيح، عن قتيبة، ورواه مسلم، عن قتيبة، ومحمد بن رمح، عن الليث.

10962 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا ابن عيينة ح.

10963 - وأخبرنا أبو إسحاق، أخبرنا أبو النضر، أخبرنا أبو جعفر، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، أخبرنا سفيان، عن عبد الله بن دينار : [ ص: 16 ] أنه سمع عبد الله بن عمر، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار، فإذا كان البيع عن خيار فقد وجب البيع". .

10964 - أخرجه البخاري في الصحيح، من حديث سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، وأخرجه مسلم، من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، وقالا: في لفظ الحديث: "كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار".

10965 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا الثقة، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا وجبت البركة في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت البركة من بيعهما".

[ ص: 17 ] 10966 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر بن إسحاق إملاء، أخبرنا محمد بن أيوب، أخبرنا أبو الوليد، وحفص بن عمر قالا: حدثنا شعبة، عن قتادة، فذكره بإسناده، إلا أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار"، وقال: "بورك لهما في بيعهما" والباقي سواء. أخرجه البخاري، ومسلم في الصحيح، من حديث شعبة، وهمام، عن قتادة.

10967 - وروينا في كتاب السنن، عن عمرو بن شعيب قال: سمعت شعيبا، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما رجل ابتاع من رجل بيعة فإن كل واحد منهما بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما، إلا أن يكون صفقة خيار".

10968 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي، أخبرنا الثقة، عن حماد بن زيد، عن جميل بن مرة، عن أبي الوضيء قال: كنا في غزاة، فباع صاحب لنا فرسا من رجل، فلما أردنا الرحيل خاصمه فيه إلى أبي برزة ، [ ص: 18 ] فقال أبو برزة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا".

10969 - قال الشافعي: وفي الحديث ما يبين هذا أيضا، لم يحضر الذي حدثني حفظه، وقد سمعته من غيره، أنهما باتا ليلة ثم غدوا عليه فقال: لا أراكما تفرقتما، وجعل له الخيار إذا باتا مكانا واحدا بعد البيع.

10970 - قال أحمد: ومعنى هذا قد رواه سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، ورواه مسدد، عن حماد، عن هشام بن حسان قال: حدث جميل أنه قال: ما أراكما افترقتما.

10971 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، أنه قال: " إذا وجب البيع خيره بعد وجوبه، يقول: اختر، إن شئت فخذ، وإن شئت فدع. قال: فقلت: فخيره بعد وجوب البيع، فأخذ، ثم ندم قبل أن يتفرقا من مجلسهما ذلك، أتقيله منه لا بد؟ قال: لا، أحسبه إذا خيره بعد وجوب البيع ".

10972 - وبإسناده أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب بن أبي تميمة، عن ابن سيرين، عن شريح، أنه قال: "شاهدان ذوا عدل أنكما تفرقتما بعد رضا ببيع، أو خير أحدكما صاحبه بعد البيع".

10973 - قال الشافعي: وبهذا نأخذ، وهو قول الأكثر من أهل الحجاز، والأكثر من أهل الآثار بالبلدان .

[ ص: 19 ] 10974 - قال أحمد: وقد روينا في ذلك عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وجرير بن عبد الله البجلي.

10975 - ومن ترك الحديث فلم يقل به حمله على ما يوافق مذهبه فقال: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا في الكلام.

10976 - وقد أجاب الشافعي عنه فيما قرأت على أبي سعيد بإسناده: بأنه محال لا يجوز في اللسان، إنما يكونان قبل التساوم غير متساومين، ثم يكونان متساومين قبل التبايع، ثم يكونان بعد التساوم متبايعين، ولا يقع عليهما اسم متبايعين حتى تبايعا وتفرقا في الكلام على التبايع.

10977 - ثم بسط الكلام في الدلالة عليه والاستشهاد بحديث الصرف والاستدلال بقول عمر، وهو الراوي على معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هاء وهاء" أنه إنما هو لا يتفرقا حتى يتقابضا.

10978 - ثم قال: أرأيت لو احتمل اللسان ما قلت وما قال من خالفك أما يكون من قال بقول الرجل الذي سمع الحديث أولى أن يصار إلى قوله؛ لأنه الذي سمع الحديث، فله فضل السماع والعلم بما سمع وباللسان؟ قال: بلى، قلت: فلم لم تعط هذا ابن عمر وهو سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"؟ قال: كان إذا اشترى شيئا يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلا ثم رجع. أخبرنا بذلك سفيان، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، أخبرناه أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال الشافعي: فذكر هذا الحديث.

10979 - قال الشافعي في رواية أبي سعيد: ولم لم تعط هذا أبا برزة، وهو سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار" وقضى به، وقد تصادقا بأنهما تبايعا [ ص: 20 ] ثم كانا معا لم يفرقا في ليلتهما، ثم غدوا إليه، فقضى أن لكل واحد منهما الخيار في رد بيعه؟.

10980 - قال أحمد: وزعم بعض من يدعي العلم بالآثار ويريد تسويتهما على مذهبه أن ابن عمر قد قال: ما أدركته الصفقة حيا فهو من مال المبتاع، فدل أنه كان يرى تمام البيع بالقول قبل الفرقة.

10981 - وهذا الذي ذكره عن ابن عمر، لا ينافي مذهبه في ثبوت الخيار؛ لأن الملك ينتقل بالصفقة مع ثبوت الخيار.

10982 - وقد قيل: إذا تفرقا ولم يخير كل واحد منهما انفسخ، فقد علمنا انتقال الملك بالصفقة، ثم كان هو يرى المبيع في يد البائع من ضمان المشتري، وغيره يراه من ضمان البائع مع ثبوت الخيار فيه حتى يتفرقا أو يخيرا في قوله.

10983 - وقولنا: ولو قبضه المبتاع في مدة الخيار حتى يكون من ضمانه في قولنا أيضا لم يمنع ثبوت الخيار، كذلك إذا لم يقبضه عنده، وإذا لم يمنع قولنا: إنه من ضمان البائع لزوم البيع، لم نمنع قوله: إنه من ضمان المبتاع ثبوت الخيار.

10984 - وزعم في حديث أبي برزة، أنهما كانا قد تفرقا بأبدانهما لأن فيه: أن الرجل قام يسرج فرسه، وقول أبي برزة حين وجدهما متناكرين، أحدهما يدعي البيع والآخر ينكره: ما أراكما تفرقتما، أي الفرقة التي يتم بها البيع، وهي الفرقة بالكلام، فسوى الحديث هكذا على مذهبه، ولم يعلم أنهما كانا باتا معا عند الفرس، وحين قام البائع إلى فرسه يسرجه لم يفترق بهما المجلس.

10985 - وفي رواية مسدد، عن حماد بن زيد، فأتى الرجل يعني المبتاع وأخذه بالبيع.

10986 - وفي رواية هشام، عن جميل: أليس قد بعتنيها؟ قال: مالي في هذا البيع من حاجة قال ما لك ذلك، لقد بعتني، فإنما تنازعا في لزوم البيع.

10987 - وليس في شيء من الروايات أن صاحبه أنكر البيع، لا في الحال ولا حين أتيا أبا برزة، فالزيادة في الحديث ليستقيم التأويل غير محمودة، وبالله التوفيق.

[ ص: 21 ] 10988 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي، حكاية عن بعضهم، فقال: فإنا، قد روينا، عن عمر، أنه قال: "البيع عن صفقة أو خيار".

10989 - قال الشافعي: أرأيت إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفت، أفترى في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة؟ قال عامة من حضره: لا قال الشافعي: فليس بثابت، عن عمر، وقد رويتم عن عمر مثل قولنا.

10990 - زعم أبو يوسف، عن مطرف، عن الشعبي، أن عمر قال: "البيع عن صفقة، أو خيار" كذا في كتابنا.

10991 - وفي رواية الزعفراني، عن الشافعي في هذا الحديث أن عمر قال: البيعان، أو قال: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، وهذا هو الذي يليق بكلامه.

10992 - قال الشافعي في روايتنا: وهذا مثل ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا منقطع، قال: قلت: وحديثك الذي رويت عن عمر، غلط ومجهول ومنقطع فهو جامع لجميع ما ترد به الأحاديث قال: لإن أنصفناك ما يثبت مثله، فقلت: احتجاجك به مع معرفتك بمن حدثه وعن من حدثه ترك النصفة.

10993 - ثم ساق الكلام إلى أن قال: فما معناه عندك؟ قلت: البيع صفقة بعدها تفرق أو خيار، وذلك بعد أن حال تعلق وجوب البيع بالخيار بلا صفقة، وظاهره يقتضي وجوبه بأحد أمرين.

10994 - قال أحمد: حديثهم يروى أيضا عن مطرف، تارة عن الشعبي، عن عمر، وتارة، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر: "البيع صفقة أو خيار". ورواه محمد بن عبد الرحمن، عن نافع، وليس بمحفوظ، وقيل عن شيخ من بني كنانة، عن عمر، وكل ذلك منقطع، ومجهول كما قال الشافعي.

[ ص: 22 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية