الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
12 - اعتبار التماثل بالكيل فيما أصله الكيل من التمر وغيره من المطعومات في قليل ذلك وكثيره

11100 - قد مضى حديث همام بن يحيى، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الربا، وفيه: "الذهب بالذهب وزنا بوزن، والفضة بالفضة وزنا بوزن، والبر بالبر كيلا بكيل، والشعير بالشعير كيلا بكيل".

11101 - وأخبرنا أبو إسحاق قال: أخبرنا أبو النضر قال: أخبرنا أبو جعفر قال: حدثنا المزني قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة قال: بينا أنا جالس عند أبي سعيد الخدري، إذ غمزني رجل من خلفي، فقال: سله عن الفضة بالفضة بفضل، فقلت: إن هذا يأمرني أن أسألك عن الفضة بالفضة بفضل؟ قال أبو سعيد: هو ربا. فقال: سله برأيه يقول، أم سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: إن هذا يقول: سله برأيه يقول، أم سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدثكم، جاءه صاحب نخلة بصاع تمر طيب، فقال له: "كان هذا أجود من تمرنا"، فقال: إني أعطيت صاعين من تمرنا، وأخذت صاعا من هذا التمر، فقال: "أربيت"، فقال: يا رسول الله، إن سعر هذا في السوق كذا وكذا قال: "فبعه بسلعة، ثم بع [ ص: 54 ] سلعتك بأي ثمن شئت" قال أبو سعيد: التمر أحق أن يكون فيه الربا أم الفضة؟. أخرجه مسلم في الصحيح، من حديث داود بن أبي هند.

11102 - وأخبرنا أبو إسحاق قال: أخبرنا أبو النضر قال: أخبرنا أبو جعفر قال: حدثنا المزني قال: حدثنا الشافعي، عن مالك، عن عبد المجيد بن سهيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة، أو عن أحدهما، عن الآخر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل تمر خيبر هكذا؟" قال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبا".

11103 - هكذا رواه الشافعي بالشك، وكذلك رواه في القديم بالشك، وقال: أو عن أبي هريرة. ورواه البخاري في الصحيح، عن إسماعيل بن أبي أويس، ورواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، كلهم عن مالك بإسناده، عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة من غير شك .

[ ص: 55 ] 11104 - وأخرجاه من حديث سليمان بن بلال، عن عبد المجيد بن سهيل، عن ابن المسيب، أن أبا هريرة، وأبا سعيد حدثاه فذكره بنحوه، من حديث مالك، إلا أن في حديثه: فقال: "لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان". وقوله: "وكذلك الميزان" يشبه أن يكون من جهة أبي سعيد الخدري، وذلك حين سئل عن الفضة بالفضة بفضل؟ فقال: هو ربا، ثم روى هذا الحديث، ثم قال: وكذلك الميزان، يعني والله أعلم: وكذلك بالفضة التي أصلها الوزن كالتمر الذي أصله الكيل، وهو كقوله في حديث أبي نضرة حين روى الحديث في التمر بالتمر، فقال: التمر أحق أن يكون فيه الربا أم الفضة؟ وكان قد سمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب والفضة، إلا أنه في كيفية اعتبار التماثل قاسها بالتمر، أو كان هذا عنده أبين في تحريم التفاضل وكيفية الخروج من الربا، فقاسهما عليه، فقال: وكذلك الميزان، يعني الذي يسألونني عنه، وهكذا قوله: وكل ما يكال أو يوزن.

11105 - وفي حديث أبي زهير حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز، عن أبي سعيد في مناظرته مع ابن عباس، وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم: بعض ما يجري فيه الربا يشبه أن يكون من قول أبي سعيد الخدري، إن صح ذلك، وفيه نظر لتفرد أبي زهير بذلك، وطعن بعض الحفاظ فيه، والله أعلم.

11106 - قال الشافعي في القديم، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمر بالتمر، مثلا بمثل"، فقيل: يا رسول الله، إن عاملك على خيبر يأخذ الصاع بالصاعين، فقال [ ص: 56 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوه"، فدعي له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أتأخذ الصاع بالصاعين؟"، فقال: يا رسول الله، لا يبيعوني الجنيب بالجمع صاعا بصاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بع الجمع بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم الجنيب". أخبرناه أبو أحمد المهرجاني، أخبرنا أبو بكر بن جعفر، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا ابن بكير، حدثنا مالك، فذكره بنحوه.

11107 - قال الشافعي في القديم: وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم عامله على خيبر أن يبيع الجمع بالدراهم ثم يشتري بالدراهم جنيبا ما دل والله أعلم على أن لا يجوز أن يباع صاع تمر رديء فيجمع مع صاع تمر فائق، ثم يشترى بهما صاع تمر وسط.

11108 - ثم بسط الكلام في بيان ذلك إلى أن قال: فلو كان يجوز أن يجمع الرديء مع الجيد الغاية لأمره فيما نرى والله أعلم أن يضم الرديء إلى الجيد، ثم يشتري به وسطا، وكان ذلك موجودا.

11109 - قال الشافعي في الجديد في رواية أبي سعيد: ولا يباع ذهب بذهب مع أحد الذهبين شيء غير الذهب.

11110 - قال أحمد واحتج أصحابنا في ذلك بما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال في آخرين قالوا: حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد قال: حدثني خالد بن أبي عمران، عن حنش، عن فضالة بن عبيد قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم: عام خيبر بقلادة فيها خرز معلقة بذهب " ابتاعها رجل بسبعة دنانير أو بتسعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، حتى تميز بينه وبينها" قال: إنما أردت الحجارة قال: "لا، حتى تميز بينهما" قال: فرده حتى ميز بينهما . [ ص: 57 ] رواه مسلم في الصحيح، عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن ابن المبارك.

11111 - والذي روى الليث بن سعد، عن سعيد بن يزيد، بإسناده هذا عن فضالة بن عبيد، أنه اشترى يوم خيبر قلادة فيها اثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز.

11112 - وفي رواية أخرى: قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز قال: ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تباع حتى تفصل"، قصة أخرى؛ لأن في هذه الرواية أنه بنفسه اشتراها.

11113 - وفي رواية ابن المبارك أن رجلا ابتاعها، واختلفا أيضا في قدر الدنانير غير أنهما اتفقا في النهي حتى تفصل، وفي ذلك دلالة على أن المنع من البيع لأجل الجمع بينهما في صفقة واحدة.

11114 - وما روى عامر بن يحيى المعافري، عن حنش، أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة فطارت لي ولأصحابي قلادة، فأردت أن أشتريها، فسألت فضالة، فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، واجعل ذهبك [ ص: 58 ] في كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلا بمثل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل".

11115 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الله بن محمد الكعبي، حدثنا محمد بن أيوب، أخبرنا أحمد بن عيسى المصري، حدثنا ابن وهب قال: أخبرني أبو هانئ الخولاني، أنه سمع علي بن رباح اللخمي، يقول: سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلائد فيها خرز وذهب وهن من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالذهب الذي في القلادة فنزع، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن".

11116 - رواه مسلم في الصحيح، عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، غير أنه قال: بقلادة فيها خرز وذهب، وقال: فنزع وحده.

11117 - وفي كل ذلك دلالة على أنها لا تباع بحال ما لم يميز الذهب من غيره إذا بيعت بالذهب، والله أعلم.

[ ص: 59 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية