الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19 - باب المزارعة

12138 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو، عن ابن عمر قال: كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عنها، فتركناها من أجل ذلك . [ ص: 345 ] رواه مسلم في الصحيح، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان.

12139 - وأخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلة بن قيس، أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض،؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن كراء الأرض. فقال: أبالذهب والورق؟ فقال: أما بالذهب والورق فلا بأس به ". أخرجه مسلم في الصحيح، عن يحيى بن يحيى، عن مالك.

12140 - وروينا عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أنه سأله عن كراء الأرض فقال: لا بأس به.

12141 - قال: فقلت له: أرأيت الحديث الذي يذكر عن رافع.

12142 - فقال: أكثر رافع، ولو كانت لي أرض أكريتها.

12143 - قال الشافعي: فرافع سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو أعلم بمعنى ما سمع، وإنما حكى رافع نهي النبي صلى الله عليه وسلم: عن كرائها بالثلث والربع، وكذلك كانت تكرى. وقد يكون سالم سمع عن رافع بالخبر جملة، فرأى أنه حدث عن الكراء بالذهب والورق.

12144 - وقد بينه غير مالك بن أنس، عن رافع، أنه نهى عن كراء الأرض، ببعض ما يخرج منها.

12145 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عيسى قال [ ص: 346 ] : حدثنا ابن وهب قال: حدثني الليث، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وإسحاق بن عبد الله، عن حنظلة بن قيس، أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها قال: فسألته عن كرائها بالذهب والورق فقال: لا بأس بكرائها بالذهب والورق ".

12146 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن يعلى بن حكيم، عن سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج قال: كنا نحاقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقدم عليه بعض عمومته قال قتادة: اسمه ظهير قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا وأيفع. قال القوم: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولا يكارها بالثلث ولا بالربع، ولا بطعام مسمى". أخرجه مسلم في الصحيح، من حديث ابن أبي عروبة.

12147 - وقوله: "ولا طعام مسمى": يحتمل أن يكون المراد به مما يخرج من [ ص: 347 ] تلك الأرض، ويشبه أن يكون أراد ما كانوا يشترطونه مما على الماذيانات، وهو الأنهار وإقبال الجداول أو غير ذلك.

12148 - ففي حديث الأوزاعي، عن ربيعة، عن حنظلة بن قيس، عن رافع، أنه قال: فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به.

12149 - وروينا عن جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمرنا بالمؤاجرة، وقال: لا بأس بها.

12150 - وروينا عن ثابت بن الحجاج، عن زيد بن ثابت قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن المخابرة، قلت: وما المخابرة؟ قال: أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع.

12151 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدل على أن لا تجوز المزارعة على الثلث ولا الربع، ولا جزء من الأجزاء، وذلك أن المزارع يقبض الأرض بيضاء لا أصل فيها ولا زرع، ثم يستحدث فيها زرعا، والزرع ليس بأصل، والذي هو في معنى المزارعة: الإجارة، ولا يجوز أن يستأجر الرجل على أن يعمل له شيئا إلا بأجر معلوم، لما وصفت من السنة، وخلافها للأصل، والمال يدفع.

12152 - وقال في الأرض إذا كانت بين ظهراني النخل لا تسقى إلا من ماء النخل، ولا يوصل إليها إلا من حيث يوصل إلى النخل: يجوز المعاملة عليها مع النخل اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بخيبر، ففرق بينهما بالسنة وبما بينهما من الفرق في المعنى.

12153 - قال أحمد: ومن العلماء من ذهب إلى تجويز المزارعة، وحمل النهي المروي على ما كانوا يلحقون بها من الشروط الفاسدة، والله أعلم.

[ ص: 348 ] 12154 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يكري أرضه فأخبر بحديث، رافع بن خديج، فأتاه فسأله عنه فأخبره فقال ابن عمر: قد علمت أن أهل الأرض، قد كانوا يعطون أراضيهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشترط صاحب الأرض لي الماذيانات، وما يسقي الربيع، ويشترط من الحرث شيئا معلوما قال: فكان ابن عمر يظن أن النهي لما كانوا يشترطون ".

12155 - قال أحمد: فابن عمر كان يظن هذا أو يدعه تورعا، وقد عمل به غير واحد من الصحابة، منهم: علي وسعد بن مالك وابن مسعود.

12156 - وروي عن عمر، ومعاذ بن جبل، وعمل، به جماعة من التابعين منهم: عمر بن عبد العزيز، وعروة بن الزبير.

12157 - وكان ابن المسيب لا يرى بذلك بأسا، ويحتج فيه بمعاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل خيبر على الشطر مما يخرج من زرع أو تمر.

12158 - ومذهب الشافعي رحمه الله أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يكن في قول أحد دونه حجة، وقد قال بحديث خيبر فيما ورد فيه، وقال: أجزنا ما أجازوا ورددنا ما ردوا، وفرقنا بفرقه صلى الله عليه وسلم بينهما.

[ ص: 349 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية