الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            أولا: علاج العنف الأسري على مستوى المفاهيم:

            إن بداية تغيير السلوكات والممارسات تكون بتغيير الأفكار المتخفية وراء هذه السلوكات، من خلال تجاوز الأطر الثقافية والتصورات التي تسوغ العنف الأسري، وتؤصل لثقافته في لاوعي ممارسيه، وذلك من خلال:

            1- بث الفهم الصحيح للإسلام في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، هذه العلاقة التي أقامها الله تعالى على أساسين:

            الأسـاس الأول: مراعاة حدود الله في العلاقة الزوجية، تصديقا لقوله تعالى: ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) (البقرة:229) وقوله تعالى: ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) [ ص: 154 ] (البقرة:187) وقوله: ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) (الطلاق:1)، وذلك بالتزام الأحكام والضوابط التي نظم بها المولى سبحانه وتعالى العلاقة الزوجية.

            الأسـاس الثاني: المعـاشرة بالمعروف، التي ورد ذكرها في قولـه تعالى: ( وعاشروهن بالمعروف ) (النسـاء:19)، وقـوله تعالى: ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) (البقرة:229).. والمعروف في المعاشرة الزوجية ما تعـارف عليه أهل الصـلاح من حسن المعاشرة وحسن الخلق مع الآخـر، وقـد أحسن الغزالي وصف أخلاق معاملة الزوج لزوجته، وهو ما يصدق على معاملة الزوجة لزوجها كذلك، عندما قال: "واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه يراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل، وكان يقول لعائشة، رضي الله عنها، ( إنـي لأعـرف غضبـك ورضـاك.. قـالت: قلـت: وكيـف تعـرف ذاك يا رسـول الله؟ قـال: إنك إذا كنت راضـية قلـت: بـلى ورب محـمد، وإذا كنت ساخطة قلت: لا ورب إبراهيم.. قالت: قلت: أجل، لست أهاجر إلا اسمك ) [1] . [ ص: 155 ]

            2- تفعيل منظومة القيم الإسلامية المنظمة للعلاقات داخل الأسرة، هذه المنظومة التي تقوم على المودة والرحمة والتواصل والتسامح والتنـاصح والتنـاصر وغيرها من القيم القرآنية والنبوية، التي يجب أن يكون لها وجود ملموس في واقعنا الأسري، حتى يتسنى لنا استبدال العنف الأسري بالسعادة الأسرية. ولعل أهم عامل يؤسس لهذه القيم هو "الحوار" باعتباره واحدا من أهم العوامل التي لا بد من ترسيخها في سلوك الفرد حتى يكون قادرا على حسن التواصل مع أسرته، فالشخصية المحاورة تعكس وبشكل كبير قدرة صاحبها على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، الأمر الذي يجعل الحوار أهم قيمة تحتاجها الأسرة لتنشئ أفرادها تنشئة سوية، لأنه بفضل الحوار نضمن نجاح ثلاثية الترابط الأسري وهي: التواصل، والتفاهم، والتوافق. ثلاثية تمكننا من حل خلافاتنا وفك نزاعاتنا وتحويل أي مناسبة للتفكك إلى فرصة لمزيد من التلاحم.

            إن التأسيس لبيئة الحوار الفعال في الأسرة يقتضي إعادة تشكيل بعض القناعات فيما يخص مفهوم الحوار ودلالاته، بحيث تصحح بعض المفاهيم الخاطئة التي تربط بين الحوار وضعف الشخصية والعجز عن المواجهة، المفاهيم التي ترى أن القوة والشجاعة والإقدام لا تترجمها إلا القاعدة الفرعونية في التواصل: ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) (غافر:29) في حين أن العنف من المنظور النفسي يعكس صورة [ ص: 156 ] من صور الضعف لدي الإنسان، لأنه يمثل لغة التخاطب الأخيرة التي يلجأ إليها الإنسان عندما يعجز عن إقناع الآخرين بوسائل الحوار العادية.

            كما يمثل صـورة من صور القصور الذهني حيال موقف ما، وهو أيضا وجه من أوجه العجز في الأسلوب، والعجز في الإبداع في حل المشكلات ومواجهة المعضلات.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية