الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الأول]

            نخبة من الباحثين

            أسباب التطرف

            إن من أهم أسباب التطرف:

            1- التأزم الفكري، فالعالم الإسلامي يحتويه تياران على طرفي نقيض:

            - التيار الأول: هو التيار العلماني، الذي يمارس تطرفا واسعا بإصراره على نقل التجربة الغربية بل على استنساخ المجتمعات الغربية في ديار الإسـلام وبنـاء الحيـاة على أساس مادي غير مرتبط بالأصول الشرعية ولا حتى الموروثات الاجتماعية الفاضلة؛ فهي من وجهة نظره عوائق كبرى عن التقدم والحضارة والرقي.

            - التيار الثاني: تيار مضاد فهو يعارض كل أشكال المدنية الحديثة، ويرى أنها تقطعه عن رب العالمين، فهي طريق للإفساد في الدين، ومن شأنها أن تجعل الإنسان وصوليا أنانيا يعيش لنفسه فقط.

            وكلا الطرفين في ردات فعل مباينة للطرف الآخر, إضافة إلى فقدان لغة الحوار والتفكير الثاقب البناء.

            2- الجهل أو الخطأ في فهم المقاصد الشرعية والأوامر الإلهية وتنـزيل النصوص على غير مرادها.

            3- تدني المستوى الاقتصادي للدول والأفراد، مما يحدث فجوة عميقة في النفوس, وها هو طوفان العولمة يجتاح العالم مولدا أزمات اقتصادية مما ولـد عجزا عن أي تعاون دولي جاد أو حسم للمشكلات الاقتصادية أو الاجتماعية. [ ص: 66 ]

            4- عدم مصداقية الكثير من الحكومات والنظـم السياسية الحاكمـة فيما تدعيه في مثل وقيم تناقضها في ممارساتها مع شعوبها.

            5- تخلي كثير من البلاد الإسـلامية عن تحكيم شرع الله عز وجل، ولعل أكثر نزعات التطرف ترفع شعار الحكم بما أنزل الله.

            وهو شعار صادق في حد ذاته، لكن الشأن في تبعاته، ومن قبل قال الخوارج: "لا حكم إلا لله" فرد عليهم علي رضي الله عنه بقولته المشهورة: "كلمة حق أريد بها باطل".

            إن غياب المرجعية الدينية في المجتمعات الإسلامية، وانحسار دور العلماء، وضعف الخطـاب الديني جعـل تلك المجتمعات تعيش فوضى ضاربة لا نهاية لها، وأسهم في غياب مفهوم الهوية:

            هل نحن أمة عربية إسلامية ذات مرجعية شرعية ربانية تواكب العصر وتعيش مستجداته؟

            أم نحن أمـة غربية نعيـش على ما يقدمه لنا (الآخر) من أفكار وأنماط حياة؟

            هل نحن أمة واحدة ولو تعددت بلداننا وأوطاننا؟

            أم نحن أمم شتى لا روابط بينها؟

            كل شعب قام يبني نهضة في قديم الدهر كنتم أمة     وأرى بنيانكم منقسما
            لهف نفسي كيف صرتم أمما؟! [ ص: 67 ]



            6- التهتك المجتمعي المتمثل في غياب دور الأسرة والمدرسة والمحاضن التربوية في كثير من النواحي، مما ينتج عنه الكثير من الأمراض النفسية والانحرافات العديدة.

            وقد أكدت الكثير من الدراسات أن جنوح الشباب إلى التطرف يرجع إلى أسباب نفسية، ومن أهمها عدم إشباع الحاجات الضرورية، أو النمو المضطرب للذات، أو بسبب الحرمان من الوالدين وخاصة الأم، بل إن 78% من أسباب ظهور تلك المجموعات هو بديل لما يعانيه الفرد من الحرمان النفسي.

            7- وسائل الإعلام، التي تضخ زخما هائلا من المواد الفاسدة، سواء الفضائيات أو الشبـكة العنكبوتية أو المجـلات والصحف وغيرها, وغياب الرؤية الإصلاحية البنائية لدى هذه الوسائل في حمى تنافسها على كسب قلب المشاهد وجيبه.

            8- عدم الفهم الصحيح للمعاني الدينية، وتوجيهها في غير مسارها، كقضية الزهد وقضية الجهاد وقضية الولاء والبراء وغيرها.

            ومثله الفهـم الخـاطئ لحقوق أهل الذمة وما لهم وما عليهم, وندرة أو قلة فرص العمل في كثير من الدول، مما يزج بالشباب في محاضن تربوية غير مؤهلة شرعيا أو علميا. [ ص: 68 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية