الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ب- مخاطبة الناس حسب قدراتهم:

            عن أم هانئ، رضي الله عنها، قالت: أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، دلني على عمل، فإني قد كبرت وضعفت وبدنت.. فقال: ( كبري الله مائة مرة، واحمدي الله مائة مرة، وسبحي الله مائة مرة، خير من مائة فرس ملجم مسرج في سبيل الله، وخير من مائة بدنة، وخير من مائة رقبة ) [1] .

            ولعل هذا الحديث غني عن كل تعليق، امرأة كبيرة وضعيفة، لم تعد تقوى على أعمال البر، والرسول صلى الله عليه وسلم يصف لها ما يناسب كبرها وضعفها، [ ص: 118 ] وما هو خير لها من فرس ملجم في سبيل الله، وخير من مائة بدنة، وخير من مائة رقبة.

            وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال: يا رسول الله، أقبل وأنا صائم؟ قال: "لا".. فجاء شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال: "نعم".. قال فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض، إن الشيخ يملك نفسه ) [2] ، وقدرة الشيخ ليست هي قدرة الشاب.

            وعن عائشة، أم المؤمنين، رضي الله عنها، أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهـاد أفضـل العمل، أفـلا نجاهـد؟ قـال: ( لا.. لكن أفضل الجهاد حج مبرور ) [3] ، فالمـرأة لم تحرم الجهاد ثوابا وأجرا، فالحج بالنسبة لها أفضل الجهاد.

            نعم، صدق الله سبحانه وتعالى حيث يقول: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) (التوبة:128). [ ص: 119 ]

            وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن كعب بن مالك حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل [4] أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت، وكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ) [5] .

            فانـظر أخـي كيف تعـددت صـور الجـهاد بتعدد قدرات المخاطب ومؤهلاته!

            وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، " أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قـالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسـول الله ذهـب أهـل الدثور بالأجـور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصـوم، ويتصـدقون بفضـول أموالهم.. قال: ( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صـدقة، وفي بضع أحدكم صـدقة ) .. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجرا ) [6] . [ ص: 120 ]

            فهؤلاء لا يملكون ما يتصدقون به، وأهل الدثور يعملون الأعمال نفسـها ويفوقونـهم بصدقاتـهم ومن ثم يفوقونـهم في الأجر، والنبي صلى الله عليه وسلم مراعاة لقدراتهم يذكرهم بأعمال بسيطة في قدرها عظيمة في ثوابها بمثابة ثواب الصدقة.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية