الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            3- قتل المعاهد:

            إن الإسلام نظم الحياة كلـها ومن جميع جوانبها. ولعل من سمات التعدد الثقافي كثرة المعاهدات والمواثيق الدولية. وإذا كان قد شاع في حياتنا المعاصرة نقض المواثيق والمعاهدات الدولية والإساءة إلى المتعاهدين، وأصبح ذلك أمرا عاديا، فإن الإسلام شـدد الوعيد على من يقتل معاهدا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ) [1] .

            وإن من مقـاصد الشـريعة الإسـلامية التـعـارف والتـعـاون والتـكامل بين الإنسانية رغم اختلاف الديانات، ونجد أصلا لهذا في قول الله عز وجل: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (الحجرات: 13). [ ص: 130 ]

            والتعارف مع المخالفين لدين الإسلام والتعاون معهم هو ما لم يمنعه القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (الممتحنة:8).

            كما أن هذا التعارف والتعاون يمهد له قول الله تعالى: ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ) (الأنعام:108).

            وأنموذج التعاون والتكامل هو الكلمة السواء، التي ينبغي أن يجتمع حولها المسلمون مع أهل الكتاب، كما يقول الله تعالى: ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) (آل عمران :64).

            وهذا ما يتم اليوم بواسطة المعاهدات والمواثيق الدولية، ومن شيمة الرسول صلى الله عليه وسلم الوفاء بالعهود والمحافظة عليها، يقول صلى الله عليه وسلم : ( إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد ) [2] . [ ص: 131 ]

            والجـدير بالـذكر، بعـد هـذا العـرض المـوجـز، أن تمثل هذه المعاني لـن تفـيـد فيـه قـراءة الـكتـب والعـكوف عـلى الأحـاديـث النبـويـة، وحتى الآيات التي أنزلها الله تعالى تبيانا لـكل شـيء، وإن كان أمرا لا بد منه، وإنما لا بد في ذلك من تربية دائمة ومتواصلة تنصح وتوجه وتجنب المسلم الملتزم عثرات الطريق.

            وإن إعراض الشباب عمـا يرقـق القلـوب ويـكسـبـهـا رحمـة ورقـة ورفـقا في التعامل مع خلق الله ليشـكل أكبر تحـد للعمل الإسـلامي المعاصر. وهـذا يتطلب من الحركات العاملة أن تجعل من الـتربية النبوية ثابتا رئيسا في مقدمة برامجها. كما أن فهم تحولات تاريخ الأمة الإسلامية يشكل ضرورة ملحة وعاجلة على العلماء والمفكرين القيام عوض الانغماس في مناقشة جزئيات وفروع لا تزيد إلا نار التطرف اشتعالا. [ ص: 132 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية