الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الأول]

            نخبة من الباحثين

            سبل العلاج

            إن التطرف الذي هو "تجاوز عدل الشرائع السماوية والفطر الآدمية" هو أزمة بحق، وتاريخ الحضارات كلها يكشف عن نماذج كثيرة لهذا التطرف، وتعد رسالة الإسلام الأنموذج الأول والأمثل لمعالجة هذا الانحراف، لكن مع هذا كله فلسنا هنا بصدد أن نعيـش ردود أفعال ونتبادل مع الغرب والعالم الأوصاف، إن هذه معركة ربما تكون غير ملحة، وقد لا تصنع شيئا لصالحنا، لكن المهم أن ندرك أهمية بناء الوعي في أفراد الأمة؛ لنعرف مواقع التطرف الخارجة عن الإطار الإسلامي.

            ولعل من حسن الفهم هنا أن ندرك أن الغرب يمارس صناعة التطرف، ويصدرها، وقد تكون بعض الأطراف مستهلكا لشيء من هذا، لكن لابد أن ندرك أن الأزمة ليست في التطرف يوم يكون حالة تعرض لدى بعض الفئات، لكن يصبح الأمن العالمي مهددا حقيقة حينما يكون التطرف قانونا له شرعيته كما ترسم ذلك دوائر سياسية ومؤسسات متنفذة في الأوساط الغربية قد يتجاوز تأثيرها إلى دوائر شتى، ولعل الأنموذج اليهودي هو المرشح عالميا لهذا لو أعطيت الشعوب حرية الموقف والتعبير. [ ص: 69 ]

            ومع هذا علينا أن نمارس نقدا واضحا صريحا في داخل مجتمعنا الإسلامي, ولقد شدني أن يقول الإمام أحمد، رحمـه الله، عن الخوارج: "صح الحديث فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه"، فأحاديث التحذير من الخـوارج صحيحـة لا خـلاف على صحتـها عند أهـل الحديث, وهي في البخاري ومسلم والسنن والمسانيد وغيرها, وقد تلقاها العلماء بالقبول، بينما لا توجد أحاديث أخرى صحيحة في التحذير الخاص من فئة من الفئات المنحرفة عن سواء السبيل، وهذا راجع لأمور:

            1- منها خطورة هذه الفتنة وامتدادها إلى آخر الزمان، وما يجري بسببها من سفك الدماء، وإزهاق الأنفس، وإرهاق المجتمعات، وترويع الآمنين، وتشويه صورة الإسلام عند أهله وعند غيرهم. وهذا مشهود منذ فتنة الخوارج الأولى إلى اليوم.

            ومنها أن هـذه الفئة هي ضمن فئات أهل السنة؛ فهي تحاول الانتماء لنفس القاعدة الأصلية التي تنتمي إليها الأمة في الأخذ بالكتاب والسنة، وفي العبادة والزهد، وفي الشجاعة والصدق، وفي الجدية والصرامـة بأخذ الدين، وهـذا يجعل صنيعـهم محـل شـك وارتياب, ويتردد الناس أحيانا في استنكاره, ويشفعون لهم بحسن نياتهم وصدق مقاصدهم فيما يرون ويظهر لهم، وتبعات فسادهم لا تقتـصر عليهم، بل تتعدى إلى غيرهم, وهم داخلون في نسيج الأمة، غير متميزين عنها في الغالب. [ ص: 70 ]

            وثمت حلول كثيرة مقترحة، لعل من أهمها:

            أولا: تمكين العلماء الربانيين من القيام بواجبهم، وفتح الآفاق لكلمتهم إعلاميا, وتسخير إمكانيات الأمة لهذا الغرض، وربط شباب الأمة بعلمائها الموثوقين، من خلال عقد اللقاءات المفتوحة معهم، وسهولة الوصول إليهم. وليعلم العالم الشرعي أنه يشكل مرجعية حقيقية للجميع، الحاكم والمحكوم، على حد سواء.

            ثانيا: إيجاد القنوات العلمية والدعوية والإعلامية، التي من خلالها تظهر الصورة الصحيحة للإسلام, وتعريف الناس بدينهم الحق, ومناقشة الاتجاهات التي يصـاحبها نوع من الحـدة في الهـواء الطـلق, وليس وراء القضبان.. وإذا لم تعرض الدعوة الإسلامية الصحيحة الناضجة من الكتاب والسنة فإن البديل عن ذلك أمران:

            الأول: شيـوع المنـكر الفـكري والخـلقـي بلا نكير، وهـذا يؤدي إلى التطرف.

            الثاني: الدعوات المنحرفة، التي تجد آذانا صاغية من الناس.

            ثالثا: محاولة تنقية أجهزة الإعلام مما يخالف الإسلام، عقيدة وأحـكاما وأخـلاقا، ومنـع ضحـايا الفكر المنحرف من التسلل إليه، ومنع المساس بالدين وأهـله، وصيـاغتـه إسـلاميا ليـكون رافدا من روافد الدعوة. [ ص: 71 ]

            رابعا: ضبط مناهج التعليم وربطها بدين هذه الأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، حتى يتخرج جيل مؤمن يعرف دينه باعتدال، ويعرف عصره، ويؤدي دوره.

            خامسا: إصلاح الأوضاع الشرعية والأخلاقية في المجتمعات الإسلامية، وحمايتها من الانحلال الخلقي، ودعم وإيجاد المؤسسات الإصلاحية القائمة على حماية الأدب والأخلاق, وكما يوجد جهاز مختص لمكافحة المخدرات يجب أن يكون هناك أجهزة قوية ممكنة وذات صلاحية واسعة أيضا في مكافحة ألوان الجرائم التي لا يقرها الشرع.

            سادسا: ضرورة العدل، وإعطاء ذوي الحقوق حقوقهم، سواء كانت الحقوق مالية أو شخصية أو سياسية أو غير ذلك، فإن المجتمعات لا يمكن أن تقوم على الظلم أبدا، والله تعـالى ينصر الدولـة العادلـة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.

            سابعا: على الدعاة والعلماء الراشدين أن يكونوا واضحين وصادقين في دعوتهم، وألا يترددوا في رفض الخطأ وإدانته، أيا كان مصدره، بأوضح عبارة وأبين إشارة، مع الاستدلال والتوضيح وبيان سوء عواقب الانحراف، كل ذلك بلغة هادئة وأسلوب سليم، وبالحكمة والموعظة الحسنة، كما أمر الله، بعيدا عن التطرف في معالجة التطرف، أو إطلاق ألفاظ التكفير أو السب أو الاتهام بالبراءة من الدين، فالعالم يشكل مرجعية تستوجب الاتزان، والعدل، وضبط العبارة، وسداد الحكم. [ ص: 72 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية