الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الأول]

            نخبة من الباحثين

            - مفهوم العنف بين الأدب والفلسفة:

            يذكر صاحب (لسان العرب) في معنى العنف: العنف الخرق بالأمر وقلة الرفق به، والعنيف الذي لا يحسن ركوب الخيل، قال الشاعر:


            لم يركبوا الخيل إلا بعدما هزموا فهم ثقال على أكتافها عنف



            وفي الأعمال الأدبية عناية خاصة بالصراع وظاهرة العنف. فهذا "ألبير كامو" يشخص حالة (المتمرد) الذي يحمل سيف الذبح البتار، يستأصل به الوجود الذي أتى ليحميه. يسأل "كامو": كيف استولت الأفكار العدمية على قادة البشر فنجحوا في حصد الأرواح وإذلال معنى الوجود البشري، وكيف تمكنوا من قتل سبعين مليون إنسان خلال خمسين عاما في القـرن العشريـن؟ [1] .

            ونقرأ للكاتب اللبناني "أمين معلوف" على لسان البطل في إحدى رواياته وصفا لمظاهر العنف في القرن السادس عشر الميلادي: "أقسم بالله الذي جعلني أجوب الدنيا الواسعة، الله الذي جعلني أعيش عـذاب القاهرة كما عشت عذاب غرناطـة، أنني لم أقـارب قـط هـذا القدر من المتعة في الذبح والقتل والتدمير والتدنيس! أهذه هي الحرب في أيامنا؟ إن أشجع الفرسان قد يقتله من بعيد نافخ في مزمار بهذه البنادق اللعينة... إنها نهاية الفروسية... نهاية الحروب المشرفة". [ ص: 75 ] [2]

            وإذا كان الأدباء يكتفون بالوصف وإبداء المشاعر تمجيدا أو تقبيحا للعنف، فإن علماء الفلسفة يتعمقون في التحليل، وإن لم تنته تحليلاتهم بطبيعة الحال إلى إجابات حاسمة، فقد تنظر الفلسفة إلى التصرف العنيف على أنه فعل خارج عن العادة وأنه غير وصفي. قال بعضهم: إن حالة العنف لا يمكن للتفكير أن يصل إلى كنهها وحقيقتها، لأنها حالة مناقضة للتفكير والمنطق. وهكذا فإن التناول الفلسفي للمشـكلة يضع أمامنا أسئلة وإشكاليات أكثر مما يقدم من أجوبة.

            كتب الفيلسوف الأمريكي "ج. لورنس": " أصبح العنف موضة في العلم وفي السياسة. إنه يثير العديد من المسائل المختلفة، ويفسح المكان للآراء المتناقضة. فماذا تمثل ظاهرة العنف؟ هل تمثل قانون الحياة أم تمثل انتهاك هذا القانون؟ أهي عدوة الإنسان والتقدم والنظام، أم هي على العكس أساس هذه الأمور ومصدرها؟ أهي وسيلة عقلانية للعلاقات السياسية أم أداة إفناء ذاتي؟ أهي نتيجة العادات المكتسبة والثقافة أم تقـررها بعض الغرائز الطبيعـية والفطرية؟ هل يعـد العنف شكلا مرضيا أم إراديا للسـلوك البشري؟ أهو ارتكاس عـادي واع وإرادي يستطيع فاعله - بل يجب - أن يحمل مسؤوليته التامة والكاملة؟ هل يستطيع المجتمع أن يستدرك ويزيل أسباب العنف ومصادره من الممارسة الاجتماعية أم أنها تتلاشى من تلقاء نفسها وتزيل نفسها بطريقة طبيعية؟" [3] . [ ص: 76 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية