الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الأول]

            نخبة من الباحثين

            أ- مخاطبة الناس حسب الأفهام ودرجات الوعي:

            كان النبي صلى الله عليه وسلم أدرى بأفهام الناس ودرجات وعيهم، ومن ثم كان يخاطبهم بحسبها، وهذا موافق لما أخرجه البخاري موقوفا على سيدنا علي، رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله" [1] . ويتضح هذا مما يلي: [ ص: 116 ]

            عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال له: يا رسول الله، حدثني بحديث واجعله موجزا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( صـل صـلاة مـودع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا، وإياك وما تعتذر منه ) [2] .

            فالرجل يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ولكن موجزا، ويراعي صلى الله عليه وسلم قدرة الرجل على الاستيعاب فلا يزده على ثلاث.

            ( وجـاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علمني كلاما أقوله.. قال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم".. قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني ) [3] .

            فانظر إلى الأعرابي، وهو المعروف بالطبع الحاد والفهم الساذج والانفعال السريع، يقول: هذا لربي، فمالي؟ والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعنفه، بل علمه دعاء وقدر فهمه، فلا يمكنه أن يعلمه ما لا يطيق أو ما يسبب له حنقا وغضبا على الإسلام. [ ص: 117 ]

            وإذ أتكلم عن هذا الأعرابي، أتذكر الأعرابي الآخر الذي تبول في المسجد، وأتذكر تلك المعاملة اللطيفة التي عامله بها صلى الله عليه وسلم .

            وهذا يزيد بن سلمة، رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، إني قد سمعت منك حديثا كثيرا أخاف أن ينسيني أوله آخره، فحدثني بكلمة تكون جماعا.. قال: ( اتق الله فيما تعلم ) [4] .

            فيزيد بن سلمة يريد كلمة جامعة تغنيه عن تذكر واستحضار ما سبق، حتى إن نسيه كفته، ويجيبه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه غير مجبر على ما لا يعلم وما قد نسي، وذلك بقوله: "اتق الله فيما تعلم"، وكم هو موجز هذا الكلام! وكم هو بليغ!

            التالي السابق


            الخدمات العلمية