الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  مقدمة

                  الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله, وأصحابه، وأتباعه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

                  فإن الإصلاح رسالة شريفة حملها على مر التاريخ الإنساني الرجال الصادقون والعلماء الربانيون، وقد خرجت الأمة الإسلامية مصلحين كانوا على مستوى الإسلام علما وعملا، فهما وتطبيقا، فبلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وجاهدوا في الله حتى أتاهم اليقين، وكانوا على خطى النبوة يتبعون هديها، ويلتزمون نهجها، ويقتفون أثرها.

                  فقاموا بالإصلاح من خلال إحياء القيم الإسلامية، وتجديد العمل بالتعاليم القرآنية والنبوية، وتنقية المفاهيم مما علق بها من شوائب، وقاموا بدفع المفتريات، ورد الشبهات، وتربية الجيل المسلم على هدى الإسلام.. فأدوا بهذه المهمة الإصلاحية خدمة عظيمة للمجتمعات الإسلامية، حيث أعادوا لها شخصيتها المسلوبة، وكرامتها المفقودة، وشكلت رؤاهم الفكرية ومواقفهم الإصلاحية معالم المجتمع المسلم.

                  وقد بقيت جهود المصلحين، ولم تسـقط من ذاكرة التاريخ، فقد حـفـظ الـزمـان آثـارهم، وتعـاقبت الأجـيـال على دراسـة سـيـرتهم [ ص: 45 ] وأفـكـارهم، وبقـيـت بصـمـاتهم الفـكـرية واضـحـة على القـلب والعقل المسـلم في كل وقت.

                  ومن هؤلاء المصلحين العظام والمربين الكرام، فضيلة الإمام محمد الخضر حسين، رحمه الله، الرجل الذي عاش حياة المصلحين، وسار على درب الأنبياء والمرسلين، فأخذ الإصلاح رسالة، عاش من أجلها، وجاهد في سبيلها، ومن أنواع جهاده العلمي تأليف "رسائل الإصلاح"، التي دلت على طبيعة الشخصية الإصلاحية للإمام، رحمه الله، والتي يتأصل - من خلال ما جاء فيها من رؤى فكرية، وأسس إصلاحية، وأفكار ثرية ومتميزة في تجديد الفكر الإسلامي، انطلاقا من الثوابت والركائز، أن العالم الحق هو الذي ارتقى علمه إلى المستوى الإصلاحي المنشود، وذلك من خلال التطابق بين العمل الكتابي والعمل الإصلاحي، وذلك بأن تكون حياة الكاتب وفق كتاباته، وأن تكون سيرته على مستوى أفكاره، وأن يسير خط علمه وفكره ومداده مع خط حياته العملية في إطار متسـاو، فتبني الكاتب كلماته، وتشـكل ملامحه الإصلاحية ما خطه بيده من رؤى فكرية.

                  والعالم الحق هو صاحب المواقف التي تنهض بها الأمة، وتبقى محفوظة في ذاكرتـها على مر تاريخها، وتظـل زادا لهـا في كل وقت تقـوى به من ضعف، وتنصر به من هزيمة، وترقى به من هبوط، والعالم الحق هو صاحب الرسالات الموجهة لفئات الأمة، وطبقاتها والمسؤولين عنها، والقائمين على [ ص: 46 ] شـؤونها، حيث يعزز من الإيجابيات ويشـيد بها، ويحذر من السـلبيات ويذكر مخاطرها.

                  فالإصلاح عملية كبيرة، تحتاج إلى أصحاب جمع بين الفـكر السليم والعمل الصحيح، وبين التصور الواضح لمشكلات الأمة والخطط المحكمة لإخراجها من أزماتها.

                  والعبرة في الكتابات الإسلامية في ما تحويه المؤلفات والكتابات من رسالة تربوية موجهـة للأمـة، وذلك بأن يكون العالم مربيا بعلمه، وصاحب رسالة في كلمته، وهذا ما كان متحققا في كثيرين منهم الإمام، رحمه الله.

                  ولقد كان تكليفي [1] من اللجنة العلمية لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر بموضوع: "رسائل الإصلاح - الجزء الأول - دراسة تحليلية لفضيلة الإمام محمد الخضر حسين" عملا مباركا علي بفضل الله تعالى لأسهم في إبراز جانب مهم من كتابات الإمام، رحمه الله، وأشارك في توضيح جهوده الإصـلاحية في رسـائله من خلال تحـليلها، وكشـف محاورها الفكرية، وهذا ما اجتهدت فيه في هذا الموضوع.

                  والله ولي التوفيق. [ ص: 47 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية