الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الفصل الرابع

                  خصائص العالم المصلح

                  المبحث الأول

                  الخصائص العلمية والبحثية

                  - المطلب الأول: حاجة العالم إلى القراءة:

                  العالم الحق، الذي يقضي وقته في القراءة والبحث، ولا ينقطع عن الطلب ما كان فيه نفس يجري.

                  فيلزم العالم الطموح العلمي والاجتهاد في النظر والتأمل ليكون معبرا عن حقيقـة رسالته الإصلاحية، ولكي يصون نفسـه ورسـالته، ولا يخل بقدره ومكانته.

                  وعلى قدر ما يكون للرجل من خبرة بالعلوم وتمكن من البحث يحظى بالهيبة والقبول وثقة الناس واحترامهم.

                  فإجلال العالم باقتناع الناس به عالما، وهذا يتحقق من خلال التشبع العلمي، والمداومة على القراءة والبحث، وبخلاف ذلك، فإن العالم يقتل نفسه، ويفض الناس من حوله. [ ص: 145 ]

                  يقول الإمام: "وأما نفوذ النظر في لباب المسائل، فلأن وقوف طالب العلم عند ظواهرها واكتفاءه بالمقدار الذي يقصر به عن حسن بيانها وإجادة العمل بها، لا يبعدان به عن منزلة خالي الذهن منها" [1] .

                  فالوقوف عند ظـواهر المسـائل يتسـاوى أمره مع خالي الـذهن منها، ولا يقبل عالم أن يوصف بالفراغ الذهني والفكري.

                  فالعلماء ما ينبغي أن يشغلهم عن العلم شاغل، وما ينبغي أن يقبلوا على ما يعكر صفوهم الفكري ويكدر عيشهم العلمي من شواغل الدنيا، وإنما يلزمهم أن يؤدوا رسالة، وأن ينفقوا فيها أوقاتهم وجهودهم، والله تعالى يصـبرهم ويثبتهم على مبادئهم، ويفتح لهم من الأبواب ما ليس في البال ولا في الحسبان.

                  والعالم مع تنوع معارفه، وتوسع إطلاعاته، يجد نفسه أمام علم بعينه يوليه جهده، ويعطيه وقته، ويعيش معه جل عمره وهذا أصلح له ولغيره.

                  - البحث في لباب العلم:

                  العلم المتين دعا إليه الإمام في مشروعه الإصلاحي، وبنفس مساحة الدعوة إليه بنفس مساحة وجوده في حياته العلمية.

                  يقول، رحمـه الله: "فالفقـيـه بـحـق من تعرض عليـه الواقعة لم يفصل لهـا الشـارع حكما، ولم يتنـاولها باجتـهاد، فيرجـع إلى الأصـول الثابتة [ ص: 146 ] والقواعـد المقررة ويقتبس لها حكما موافقا... ومما رمي الأفـكار في خمـول، ووقف بـها حقبة عن الخوض في عباب العلوم إلى أمد بعيد، هذه المختصرات التي يقضي الطالب في فتح مغلقها وحل عقدها قطعة من حياته، جـديرة بأن تصـرف في اكتساب مسـائل هـي من صميم العلم، والملـكات تقوى بالبحـث في لباب العلم أكثر مما تقوى بالمناقشة في ألفاظ المؤلفين، وممن نبه على أن الاختصار عائق عن التحقيق في العلم أحد علماء القرن الثامن العلامة محمـد المعروف بالأيلي [2] إذ قال: "كل أهل هذه المائة على حال من قبلهم من حفظ المختصرات، فاقتصروا على حفظ ما قل لفظـه ونزر حظه، وأفنوا أعمارهم في حل لغوزه وفهم رموزه، ولم يصلوا إلى رد ما فيه إلى أصوله بالتصـحيح، فضـلا عن معرفة الضـعيف والصحيح" [3] .

                  فالدعوة إلى صميم العلم من أصول البحث الجاد، الذي يشكل معالم الإصـلاح، والابتعـاد عن التفريعـات التي تقضى فيها الجهود، وتفرغ لها الأوقـات من الطرق السليمـة للبحث العلمي الأصيل المستند إلى متين العلم وأصوله. [ ص: 147 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية