الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  - المطلب الثالث: الاجتهاد في بلوغ العبقرية:

                  الإصلاح متوقف على التفوق في جميع المجالات، وبلوغ الذروة في الإتقان في كل ميدان، ومن تلك المجالات: المجالات العلمية والمعرفية، فالإصلاح متوقف على التفوق فيها، والوصول من خلالها إلى نتائج سليمة تنفع الأمة في مجال نهضتها، والعباقرة هم أهل التفوق في العلم والتجديد فيه.

                  فالعبقرية "هي أعلى المستويات من القدرات العقلية المعرفية، أو بتعبير آخر هي أعلى درجات الذكاء بالإضافة لمكوناتها" [1] ، فالعبقرية مستوى معين من العقل، ومواهب خاصة لا تتوفر في جميع الناس، ويضع الإمام حدا للعبقري في المجال العلمي والفكري.

                  فيقول: "أما العـالم أو الأديب الذي يـدرس فنسـمع منه ما لم نكن قد سـمعنا، ويؤلف فنقرأ له ما لم نكن قد قرأنا، فذلك ما يحق لنا أن نسـميه نابغة أو عبقريا. فالنـابغة أو العبقـري هو الذي يحـدث علما أو فنا من فنون الأدب لم يكن شـيئا مذكورا، كما صـنع الخليـل بن أحمد [2] في علم مقاييس الشـعر، أو ينقله من قلة إلى كثرة، كما صنع عبد القاهر الجرجاني [3] في علم البلاغة، [ ص: 150 ] ودون هذه الدرجة درجات، وسمو كعب العالم، أو الأديب في العبقرية على قدر ما يأتي به من أفكار مبتكرة، أو ما يستطيعه من حل المسائل المعضلة" [4] .

                  فالعبقري ليس هذا التقليدي، الذي أخذ من الكتب، ونقل عن الأئمة، إنما هو المجدد في علمه، والمحدث طريقة هو صاحبها، وقد توصل إليها من خلال مؤهلاته الخاصة، وإمكاناته المتفردة.

                  وينفي الإمام عن حد العبقرية ما يتصور أنه منها؛ فيقول: "أما ابتداع الرجل للعلم أساليب تجعل مأخذه أقرب وتناوله أيسر، فليس بنبوغ في نفس العلم، وإنما هو نبوغ في صناعة التأليف فيه، وإذا كانت العصور قد تبسط يدها بالعلماء الناقلين كل البسط، فإنها لا تسمح بالعبقري إلا قليلا.

                  فتية لم تلد سواها المعالي.. والمعالي قليلة الأولاد [5] ،


                      



                  [6] .

                  فليس كل عالم عبقريا، فالعباقرة قلة، والذي يكتب جديدا، ويقدم للناس ما لم يسمعوه ويعلموه من قبل يكون قد غاص في الأعماق، وأخرج اللآلئ الثمينة، ويصدق عليه بهذا الجديد المفيـد أن يكون صاحب مدرسة لها روادها ومحبوها. [ ص: 151 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية