الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  رؤى الإصلاح عند الإمام محمد الخضر حسين (رحمه الله)

                  الأستاذ الدكتور / المرسي محمود شولح

                  - المطلب الثالث: الدعوة إلى الإصلاح من خلال أصحاب الوعي بتاريخ الوقائع:

                  التاريخ هو الذاكرة الحية، التي تمد المجتمع بالخبرات وتفيده بالتجارب لينطلق وفق أطر سليمة وضوابط صحيحة تصون سيره وتحمي نظامه، والتاريخ حافل بالدروس والوقائع، التي تكسب المجتمع حصانة وتحميه من أي آفة مدمرة أو جبهة مهلكة.

                  والوعي بالتاريخ في "رسائل الإصلاح" كان عاملا مؤثرا في قراءة الواقع قراءة سليمة وفي توظيف الخبرة العملية في الكتابة، بحيث كان التاريخ الذي شهده الإمام وعاصر وقائعه وعايش أحداثه وخبر رجاله ووعى ملامحه، وأدرك أبعاده، وأخذ منها العظة كان منطلقا للرؤى الإصلاحية، التي سطرها في "رسائل الإصلاح".

                  فالاستدلال بالتاريخ ليس على أنه التاريخ القديم أو تاريخ الأمة الإسلامية في عهد الصحابة والتابعين، إنما يقصد به تاريخ الوقائع والأحداث المعاصرة، التي شهدها بنفسه وتفاعل معها. وكثيرا ما نجد الإحالة في الاستدلال على التاريخ وهذا يكاد يكون ثابتا في جميع المقالات، وهذا للمسلك الفكري، الذي اختطه الإمام لنفسه.

                  فيذكر الإمام من خلال الوعي بالتاريخ الاستخفاف بالتعليم الديني وعدم تقدير دوره في المجتمع، وعدم تفهم الحاجة إليه شرعا وسياسة. [ ص: 157 ]

                  يقول الإمام: "وقد دلنا التاريخ والمشاهدات على أن وزارات المعارف في بعض الشعوب الإسلامية، قد تستخف بالتعليم الديني متى ألقي أمرها إلى من نشـأ في غـفـلة عن آداب الـديـن، وقصر في السـياسة شأوه، فليس له بصيرة يحس بها فضل الدين ومحاسنه، ولا بعـد نظر في السـياسـة يفقه به أن خير ما تتألف به الأمم الإسلامية رعاية دينها، وجعله روحا في تربية أبنائها" [1] . ويذكر من تاريخ الوقائع انحراف العلماء والسلاطين، وخيانتهما الأمانة، وابتعادهما عن نصيحة الأمة.

                  ويقول: "والتاريخ الصادق قد حدثنا أيضا أن أهل العلم من فتنته الدنيا بزخرفها فانطلق يجري وراءها، لا يراعي للحق عهدا، ولا لجانب الله حرمة، وحدثنا أن في الرؤساء من يكون نصيب اللهو والانهماك في الشهوات منه أكثر من نصيب الجد والرشد" [2] .

                  وفي المقابل، يذكر تاريخ العلماء والحكام، الذين سعدت بهم الأمة، وازدهرت حياتها بتعاونهما وتفاهمهما لمصلحتها.

                  "والتاريخ الصادق يحدثنا أن بلاد الإسلام قد حظيت بعلماء يزهدون في زهرة الحياة الدنيا ويبيعونها بكلمة حق يقولونها ابتغاء أن يكون لها في إصلاح حال السلطان أثر كبير أو صغير، وحظيت برؤساء يرتاحون لوعظ العالم [ ص: 158 ] الأمين، ويسيغونه إساغة الظمآن للماء القراح، وبمثل هؤلاء العلماء والأمراء تسعد الأمة، ويعظم شأن الدولة" [3] .

                  ويذكر الإمام من خلال التاريخ نوعية من العلماء المشاركين مع الناس في حياتهم، والمتعاونين معهم في إصلاح شؤونهم، وإقامة أحوالهم على المستوى المنشود.

                  "والتاريخ يملأ آذاننا بأسماء رجال أحرزوا بعلمهم الزاخر مكانة تكفيهم لأن يعيشوا بين الناس في هناءة وإجلال، ولكن ما يبذره الدين في نفوسهم من غيرة وإخلاص يأبى لهم أن يقضوا حياتهم بين جدران المدارس أو المساجد دون أن ينفقوا منها في تعرف الشئون العامة، والجهاد في نجاة الأمة قسطا وافرا" [4] .

                  فالاستدلال بالتاريخ في "رسائل الإصـلاح" يعني أن خبرة الإمام كبيرة، وتجـاربه كثيرة، وفهمـه للوقائع فهم دقيق، ووعيه بالأمور على أوفى ما يكون. [ ص: 159 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية