الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الفصل الأول

                  الإمام محمد الخضر حسين

                  تنشئة وشيخا للأزهر

                  المبحث الأول

                  عوامل تكوين الشخصية من خلال التنشئة

                  - المطلب الأول: الإمام محمد الخضر حسين، رحمه الله:

                  هو: محمد الخضر حسين بن علي بن عمر الحسني التونسي [1] .

                  ولد الشيخ محمد الخضر حسين بالقطر التونسي في 26 من رجب، سنة 1293هـ، وهو من أسرة كريمة أصلها من الجزائر.

                  - نشأته:

                  نشأ وتأثر بأبيه وخاله، وحفظ القرآن الكريم، وشدا جانبا من الأدب، وألم بمبادئ العلوم العربية والعلوم الشرعية، ثم انتقل مع أسرته إلى العاصمة التونسية، وهو في الثانية عشرة من عمره (سنة 1305 هـ) فالتحق بجامع الزيتونة [2] سنة 1307هـ ( 1889م).. ونال شهادة العالمية من جامعة [ ص: 61 ] الزيتونة، ثم رحل إلى الشرق سنة 1317هـ، وما كاد يبلغ طرابلس ويقيم بها أياما حتى عاد إلى تونس فلازم جامع الزيتونة يفيد ويستفيد.

                  ثم أنشـأ مجلة السـعادة العظمي سنة 1321هـ.. وفي سنة 1324هـ (سـنة 1905م) ولي قضاء بنزرت ومنطقتها والتدريس والخطابة بجامعها الكبير، ثم استقال وعاد إلى القاعدة التونسية، وتطوع للتدريس بجامع الزيتونة.. ثم تم تعيينه رسميا مدرسا بجامع الزيتونة...

                  - جهاده وجهوده:

                  لما قامت الحرب الطرابلسية بين الطليان والعثمانيين [3] وقف قلمه ولسانه على الدعوة لمعاونة الدولة العثمانية، ثم رحل إلى الجزائر، وألقى بها الدروس المفيدة، ثم عاد إلى تونس.. وحاولت الحكومة ضمه إلى محكمة فرنسية فرفض الاشتراك فيها، وفي سنة 1329هـ وجهت إليه تهمة بث روح العداء للغرب، وبخاصة لسلطة الحماية الفرنسية، وأحس أن حياته وحريته في خطر، فسافر إلى [ ص: 62 ] الأستانة بحجة زيارة خاله بها، وبدأ رحلته بزيارة مصر في طريقه إلى دمشـق، ثم سافر إلى القسطنطينية [4] .

                  ولما ظن أن الزوبعة هدأت عاد إلى تونس... وما كاد يستقر بتونس حتى أيقن أنه لا مجال لبقائه في هذا الجو الخانق، فأزمع الهجرة منها نهائيا فرارا بدينه وحريته، واختار دمشق وطنا ثانيا له، ومر بمصر في طريقه إلى الشام فتلبث بها قليلا، وتعرف إلى طائفة من أعلام علمائها النابهين.. ثم سافر إلى القسطنطينية... ثم عاد إلى تونس فنشر رحلته وآراءه ودعوته الإصلاحية ببعض الصحف..

                  ولكنه ما عاد إلى تونس ليستقر فيها، بل شد الرحال إلى دمشق... وعين مدرسا للغة العربية، سنة 1912م، ثم سافر إلى الأستانة ولقي وزير حربيتها "أنور باشا" [5] فاختار الشيخ محررا عربيا بالوزارة، وفي هذا المنصب عرف كثيرا من التيارات الخفية والظاهرة، وشاهد الدولة تترنح تحت تأثير عوامل الفساد.

                  وفي سنة 1333هـ رحل إلى برلين في مهمة رسمية، فقضى في ألمانيا تسعة أشهر اجتهد خلالها أن يتعلم الألمانية ثم عاد إلى الآستانة.. وحن إلى دمشق [ ص: 63 ] فعاد إليها، وكان الحاكم العام حينئذ أحمد جمال باشا [6] الطاغية الجبار، الذي لم يكد رجل فاضل يسلم من شره، فامتد شره إلى الشيخ واعتقله في رمضان سنة 1334هـ, وأخيرا تم الإفراج عنه. ووصل إلى الأستانة، ثم أوفده أنور باشا للمرة الثانية إلى ألمانيا سنة 1335هـ فالتقى فيها الحركات الإسلامية... ثم عاد الأستانة، ثم إلى دمشق فتولى التدريس بالمدرسة السلطانية مرة أخرى بقية سنة 1335هـ وسنة 1336هـ... ثم استقر عزمه أخيرا على أن يستوطن القاهرة.... فحضر إليها سنة 1336هـ، وأخذ يشتغل بالبحث والدراسة وكتابة المقالات، ثم جذبته دار الكتب المصرية إليها، فعمل محررا بالقسم الأدبي فيها عدة سنوات، ثم تجنس بالجنسية المصرية، وتقدم لامتحان شهادة العالمية وانضم إلى طليعة علماء الأزهر.

                  وفي سنة 1342هـ أسس جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية... وكان من طليعة المؤسسين لجمعية الشبان المسلمين.. ثم تفرغ لإنشاء جمعية الهداية الإسلامية.. وتولى رياسة تحرير مجلة نور الإسلام (هي مجلة الأزهر الآن)، واستقال من رياسة تحرير المجلة، وعين مدرسا بكلية أصول الدين.. وحينما تم إنشاء المجمع اللغوي كان في مقدمة من وقع عليهم الاختيار لعضويته، كما تم اختياره عضوا بالمجمع العلمي العربي في دمشق [7] . [ ص: 64 ]

                  وقد تم اختيار الشيخ محمد الخضر حسين في مستهل عهد الثورة سنة 1952م شيخا للأزهر في يوم الثلاثاء 26 من ذي الحجة سنة 1371هـ / 16 من سبتمبر سنة 1952م [8] .

                  - وفاة الإمام:

                  بعد حياة حافلة بالعطاء والإنجاز لبى الإمام نداء ربه عز وجل.

                  يقول الدكتور البيومي: "ولكن أعباء السنين تتراكم على كاهله الضعيف، فيترك المشيخة معتكفا محتسبا حتى يلبي نداء ربه في 13 رجب سنة 1377هـ" [9] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية