الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المطلب الثاني: مقياس عظمة المصلح من خلال التنشئة:

                  الشخصية الإصلاحية تتكون خلال فترات، وتتشكل ملامحها عبر سنوات، وتبدو أماراتها من خلال البدايات، وتنصهر هذه الشخصية في مجموعة من العوامل تؤدي في نهاية الأمر إلى أن تكون شخصية تاريخية لها بصماتها في الحياة، وإنجازاتها الباهرة في الحقبة التاريخية التي شغلتها في الدنيا.

                  وهناك عوامل مؤثرة في تكوين الشخصية الإصلاحية عند الإمام بدت معالمها من بداية التنشئة.

                  فقد كان للتنشئة السليمة، وظروف البيئة، التي تربى فيها، الأثر الكبير على حياة الإمام والتي انعكست آثارها عليه في بداياته الأولى، وجعلته محصنا بحفظ القرآن الكريم وملما بمبادئ العلوم العربية والشرعية. [ ص: 65 ]

                  - أثر هدوء الطبع:

                  كان الإمام محمد الخضر حسين متمتعا بهدوء الطبع، وهذا عامل مهم في الشخصية الإصلاحية، التي تقابل في حياتها المتغيرات والمواقف، وتشهد حياتها الصراعات والنزاعات، ولهدوء الطبع أثر في المواجهة والاستمرار في طريق الإصلاح.

                  يقول الشيخ أبو الحسن الندوي عنه: "وقد تذكرت برؤيته والحديث معه كثيرا من علماء الهند، في الهدوء [1] ورسوخ العلم..." [2] ، فقد كان: "هادئ الطبع وقورا" [3] .

                  - أثر الابتلاء:

                  الابتلاء من العوامل المؤثرة في الشخصية الإصلاحية، لما له من آثار إيجابية على الشخصية من الصبر و التحمل، وقدرة التصدي للمشكلات، وحسن إدارة المواقف، والتعامل الجيد مع الحياة بما فيها من تقلبات واضطرا بات.

                  وقد ابتلي الإمام، رحمه الله، وتعرض لصنوف من الأذى من الصادين عن سبيل الله، سواء كانوا من المحتلين الغزاة أم كانوا من الجبابرة الطغاة، وهذا يجلي [ ص: 66 ] أن التمكين لابد أن يسبقه ابتلاء، كما هي سنة الله عز وجل، وقد كان الإمام، رحمه الله، في مواجهة هذه الابتلاءات ملتزما بالثبات على المبادئ، وعدم التزحزح عنها بأي حال، فهو في جميع فترات حياته يضرب المثل في ثبات المؤمن أمام الشدائد والأزمات.

                  فالفكرة العظيمة تسبقها معاناة كبيرة، ومقاساة عظيمة تؤدي إليها، وتمهد الطريق لظهورها.

                  وتبقى الفكرة حية في وعي المتلقين بقدر هموم أصحابها والتجارب التي خاضوها، والآلام التي مروا بها.

                  - أثر العمل التطوعي:

                  سار الإمام، رحمه الله، في كل خطوط العمل الإصلاحي، سواء أكان في الإطار الرسمي أم كان في الإطار الشعبي، وهو يضرب بهذا المثل في الجمع بين كل رؤوس الإصلاح والسير في كل خط، والضرب في كل غنيمة بسهم، وهذا يؤدي في النهاية إلى الإصلاح الشامل والمتكامل، الذي تسعد به الأمة، فقد تطوع الإمام للتدريس، وأسس الجمعيات الدينية، فكان أحد مؤسسي جمعية الشبان المسلمين، وشارك بنفسه في سد الحاجات وإزالة الآلام.

                  فالعمل التطوعي الجماعي كان من ركائز الإمام الفكرية، وكان واعيا تماما أن العالم لا بد له من مشاركة فعالة في خدمة المجتمع من خلال جهد جماعي، وعمل مؤسسي شعبي خدمي، وهذا ما دعا إليه الإمام في رسائل الإصلاح، وقبل دعوته إليه طبقه في حياته وجسده في سيرته، ودلل على أنه مصلح من [ ص: 67 ] خلال القول والعمل، والوعي والتنفيذ، وأيضا من خلال الجهاد والكفاح والنضال في الميادين العملية، والمجالات الحيوية، التي تنفع المجتمعات الإسلامية، وتسعد بها الأمة في مشارق الأرض ومغاربها.

                  ودعا الإمـام إلى إقامة الجمعيات بكل أغراضها، حتى الجمعيات التي تهتم بالحيوان.

                  فهو يقول: "هذا، والأمل معقود على أن تؤلف في أوطاننا جمعيات لمراقبة تصـرف الناس في الحيوان، حتى إذا رأت صـاحب الحيوان يرهقه بحمـل الأثقال أو يناله بأذى سعت بما تستطيع من طرق النهي عن المنكر إلى إزالة ما تشهده من الإرهاق أو الأذى، فيكون لها حمد الناس في الدنيا، وثواب الآخرة" [4] .

                  وهذه الدعوة دالة على أن إقامة الجمعيات، وتعدد نشاطاتها، وتنوع مجالاتها يصب في نهاية الأمر في صالح المجتمع، ويشكل جوانب أساسية في الرسالة الإصلاحية، وهذا ما كان الإمام داعيا إليه.

                  - أثر العمل الإعلامـي:

                  كان الإعلام عاملا مؤثرا في تكوين الشخصية الإصلاحية للإمام، رحمه الله، فقد سعى إلى تأسيس المجلات العربية التي تسهم في تحقيق النهضة، وتشارك بما فيها من إسهامات في نشر القيم والمفاهيم الأصيلة.

                  فالنهج العملي كان عاملا مؤثرا في الشخصية الإصلاحية للإمام، حيث كان من أصول حياته العملية، وقد باشره تدريسا وتعليما وإعلاما وتأليفا، [ ص: 68 ] وأيضا من خلال تأسيسه الجمعيات الاجتماعية، ومشاركته في الجمعيات الدعوية والإصلاحية، وإسهاماته في المجلات العربية، وهذا يجلي البعد الإصلاحي عند الإمام.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية