الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المطلب الثاني: التربية على الإنصاف والمروءة:

                  من مهام المربين: تربية النشء على تكوين شخصيتهم، وتشكيل عقليتهم، والتمهيد للدفع بهم قادة للمجتمع. ومن ذلك:

                  - ترسيخ الإنصاف الأدبي:

                  الإنصاف عزيز، وطريقة الوصول إليه لابد من تعلمها حتى يتصف العلماء بهذا الخلق الفاضل.

                  "والإنصاف الأدبي من الخصال التي لا ترسخ إلا في نفس نبتت في بيئة صالحة، وارتضعت من ثدي التربية الصحيحة لبنا خالصا" [1] .

                  وهـذا يعني أن الإنصاف الأدبي يتحقق من خلال البيئة الصالحة والتربية الصحيحة.

                  فالبيئة عامل مهم في تحقيق خلق الإنصاف، فلابد أن يكون المناخ المسيطر مساعدا، والظروف المحيطة مناسبة، وأن يكون المحيطون بالإنسان مشجعين له ومحببين إليه الإنصاف.. وعامل التربية على الإنصاف من العوامل المهمة، وهذا العامل يحتاج إلى مربيين أكفاء، وناصحين أمناء، يعنون بالنشء ويتابعونه خطوة بخطوة حتى يصلوا بهم إلى الكمال في كل شيء.

                  "فمن أراد أن يطبع ناشئا على خلق الإنصاف نقب على علتي الحسد والغلو في حب الذات، فإن وجد لهما في نفس الناشئ أثرا، راوضه بالحكمة [ ص: 134 ] والموعظة الحسنة، حتى يتهيأ الناشئ لأن يكون على هذا الخلق العظيم، أعني خلق الإنصاف.

                  وإذا كان منشأ الحسد قلة ملاحظة أن النعمة تصل إلى صاحبها من علام الغيوب، وهو لا يرسلها إلا لحكمة، فإن من وسائل علاج هذا الداء تلقين الناشئ أن النعم المادية أو الأدبية إنما ينالها الناس بمشيئة العليم الحكيم، وإذا كان منشأ الحرص على الانفراد بالفخر هو الغلو في حب الذات، كان على المربي تهذيب عاطفة حب الذات في نفس الناشئ، حتى تكون عاطفة معتدلة: تجلب له الخير، وتأبى له أن ينال غيره بمكروه، وإذا شفي الناشئ من مرض الحسد، وخلص من لوثة الغلو في حب الذات، لم يبق بينه وبين فضيلة الإنصاف إلا أن تعرض عليه شيئا من آثارها الطيبة، وتذكره بما يدرك المحرومين منها والمستخفين بها من خسار وهوان" [2] .

                  فهذا تفصيل وتأصيل يشفي العليل، وينفع المربين في طبع النشء على الخـلق الأصيل، وفي هذا الكلام تحليل شاف للوصول بالنشء إلى الكمالات في الأخلاق عموما، وفي الإنصاف خصوصا، وذلك عن طريق الخطوات التالية:

                  - تفتيش المربين في نفوس النشء عن العلل الدفينة والأمراض التي تنطـوي عليها القلوب، وتحـديد هـذه الأمراض ووضع المنهج المناسب في علاجها. [ ص: 135 ]

                  - علم المربي بأخطر علتين يفسدان النشء: علة الحسد، وعلة الغلو في حب الذات، وكلاهما يهدف إلى إلغاء الآخرين وعدم الاعتبار بهم، وهذا ينزع الإنسان من المجتمع ويجعله بعيدا عن الاحتكاك الإيجابي، والتأثر بالعلاقات والصلات الفاضلة.

                  - الوقوف بالمرصاد لأعداء المواهب والملكات، ولهذا لا يكون هناك صاحب موهبة على الإطلاق حتى يصارع أبناء المجتمع من أجل تحطيم مواهبه وقتل ملكاته، وهو في مقابل هذا لا يستسلم، ولا يرضى بتضييع جهده وإهدار تعبه في تكوين خلقه.

                  - علاج الأمراض بهدوء وحكمة، وفي هذا دلالة على أن المربي أحوج إلى النشء من حاجة النشء إلى المربي، وهذا من أجل أن يتم التواصل على طريقة التربية والإصلاح.

                  - الإنصاف في علاج الحسد يكون بالتذكير بالنعم والآلاء، والإحساس بقيمتها، ولهج الألسنة بشكرها.

                  - الإنصاف في علاج حب الذات يكون بالاعتدال في الحب، وعدم الزيادة عن الحد، فيكون الحب مصلحة للعبد ولغيره.

                  - سعـي المربين إلى علاج العـلل النفسـية، وتهيئة المحل لاستقبال خلق الإنصـاف من خـلال بيان فضـائله وذكر محامده، وآثاره الطيبة على الفرد والمجتمع. [ ص: 136 ]

                  - التربية على المروءة:

                  من واجبات المربي: تفقد المروءة في كيان النشء، وعدم السماح بتسرب مظاهر الخمود، وألوان الركود، وهذا يحتاج إلى يقظة المصلحين الدائمة لأحوال النشء من أجل التسديد والتصويب.

                  يقول الإمام: "قد رأينا كيف انتظمت المروءة أخلاقا سنية، وآدابا مضيئة، وعرفنا أن رسوخ هذه الأخلاق والآداب في النفس، يحتاج إلى صبر ومجاهدة، ودقة ملاحظة، وسلامة ذوق، فحقيق بنا أن نربي أبناءنا على رعايتها منذ عهد التمييز، حتى لا تسبق إليهم أخلاق غير نقية، وعادات غير رضية، فتحول بينهم وبين الفضائل، فلا تجد المروءة إلى نفوسهم مدخلا:


                  إذا المرء أعيته المروءة ناشئا فمطلبها كهلا عليه عسير

                  [3]

                  نربي أبناءنا على ما يثبت قواعد المروءة، ويرفع بناءها، ليحمدوا أبوتنا، ويكونوا قرة أعين لنا، وأسوة حسنة لأحفادنا، وزينة لأوطاننا، وليفوزوا بالعزة في الدنيا والسعادة في الآخرة" [4] .

                  فتثبيت قواعـد المروءة تربية على الاعتزاز بالله تعالى والثقة في النفس التي خـلقـها الله تعـالى، وهذا يحـرك النشء ويدفعه إلى تحقيق المأمول، وإنجاز المرغوب. [ ص: 137 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية