الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المبحث الثاني

                  المسؤولية المجتمعية عن حل المشكلات

                  - المطلب الأول: توسيع دائرة المسؤولية عن الرعية:

                  المسؤولية عن الرعية دائرتها واسعة، فكل مسؤول في مكانه محاسب عن رعيته، فالمسؤولية من الحاكم إلى الخادم، وقد اهتمت "رسائل الإصلاح" بتوزيع المسؤولية على الجميع، ومن ذلك:

                  - مسؤولية الآباء والأمهات:

                  الظواهر المنحرفة في المجتمع يشترك في مسؤوليتها الرعاة من الحكام وأولياء الأمور، ومن تلك الظواهر المنحرفة التبرج والسفور.

                  يقول الإمام: "وإذا أردنا معالجة هذا التبرج الذي أوجس منه الشبان خيفة، فإن تبعته تعود إلى أولياء هؤلاء المتبرجات، إذ لم يأخذوا في تربيتهن بالحزم، ولا في الرقابة عليهن باليقظة، فمن طرق مكافحة الإعراض عن الزواج مقاومة هذا السفور القاضي على كرامة فتياتنا، وإرشادهن إلى أن الصيانة خير من الابتذال، والحياء أجمل من الصفاقة، وأي صفاقة أكثر من أن تقلب الفتاة وجهها في وجوه الرجال" [1] . [ ص: 177 ]

                  فالتبرج والسفور ترجع تبعته إلى أولياء أمور هؤلاء المتبرجات، فهم مسؤولون عن رعيتهم، ومحاسبون عنهم بين يدي الله يوم القيامة، فتلك الفتاة التي خرجت بهذه الصورة خرجت من بيت يقوم عليه راع، فلها أب، أو أخ، أو زوج، وهؤلاء جميعا يقع عليهم التبعة في خروج المرأة بهذا الشكل المغوي المردي، ولو أن كل راع أدى ما يجب عليه لانتشرت الفضيلة، وعمت القيم، وساد المجتمع البر والتقوى.

                  - الاشتراك في الأخلاق:

                  أبناء المجتمع يشتركون في الأخلاق الفاضلة، وبمجموع هذه الأخلاق يكون تقدم المجتمع ونصرته، وكل فرد من أبناء هذا المجتمع يحمل قيمة بعينها وخلق بعينه من شأنه أن يرقى به مجتمعه، وأن تتحقق به النصرة لأمته.

                  وكل فرد قادر على أن يكون صاحب خلق، فالأخلاق أرزاق تتوزع على المجتمع، وكل يشارك فيها ويأخذ نصيبه منها، فالأخلاق ليست محتكرة في مجموعة، أو ينفرد بها الصفوة، ويدعي المدعون أنها من مستحقات النخبة دون غيرهم، إنما الأخلاق متاحة لأبناء المجتمع، كل يأخذ منها على حسب جهده وبمقدار إرادته وعزيمته.

                  وهذا ما كان واضـحا في "رسائل الإصلاح"، ففي فضيلة الإخـلاص، على سبيـل المثال، يقوم الإمـام بتوزيع هذه القيمة على أبناء المجتمع فيقول: [ ص: 178 ]

                  والإخلاص يحمل القاضي على..........

                  والإخلاص يصون التاجر عن............

                  والإخلاص يردع قلم الكاتب عن.......... [2] .

                  فالإخلاص يشترك فيه كل أفراد الأمة، فكل قادر على أن يكون مخلصا في مكانه وفي مجاله، ويلزم أبناء الأمة أن يكونوا مخلصين دائما، ومجودين أعمالهم، وبالغين بها أعلى الدرجات.

                  وفي مقام الحلم وأثره في سعادة الحياة الفردية والجماعية؛ يقول، رحمه الله: "وصفوة الحديث أن الحلم يحتاج إليه عميد الأسرة في منزله، والتاجر في محل تجارته، والعالم في مجلس دراسته، والقاضي في مقطع أحكامه، والرئيس الأعلى في سياسة رعيته، بل يحتاج إليه كل إنسان ما دام الإنسان مدنيا بالطبع، لا يمكنه أن يعتزل الناس جملة، ويعيش في وحدة مطلقة" [3] .

                  وفي موضوع التعاون في الإسلام يقول، رحمه الله:

                  وخلاصة المقال: "أن الإسلام أقام التعاون على أساس محكم، ومد له في كل ناحية من نواحي الحياة بسبب، فإذا وضع المسلمون أيديهم على هذه الأسباب الوثيقة، بلغت بهم المكانة المحفوفة بالعزة المشار إليها بقوله تعالى: ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) (المنافقون:8)". [ ص: 179 ]

                  -

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية