الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المبحث الثاني

                  كشف خطة التآمر الفكري على الإسلام

                  - المطلب الأول: كشف دعوى الاعتدال في الكتابة:

                  المنافق عليم اللسـان من أخطر الأصنـاف على المسـلمين، فأبسـط ما يكون عند أصحاب هذا الاتجاه تغيير الفكر، وتعديل المنهج لمصالح شخصية، ولاعتبارات دنيوية.

                  يقول الإمام، رحمه الله: "وقد أرتنا الأيام أشخاصا كانوا يظهرون في اعتدال وغيرة على الحق، ثم اتصلوا بنفر من أهل الدنيا يناوئون هداية الله، فلم يكن منهم إلا أن طرحوا ثوب الاعتدال، وصاروا ينطقون بلهجة أولئك النفر في شيء من التورية" [1] .

                  فالإمام يبين هنا نوعا يتكلف الاعتدال، ويتظاهر بالإنصاف والحيدة، لكنه في حقيقة الأمر ليس كما يتظاهر به، وذلك بسبب اتصاله بنفر غيروا المسار، وعدلوا الإطار، وزادوا عن المقدار، فبعد أن كان هذا النوع من المنتقدين لغيرهم، والواقفين أمامهم، أصبح يتحدث بلسانهم، ويتكلم بفكرهم، وإن كان يدعي الوقوف أمامهم والتصدي لهم، لكنهم في حقيقة الأمر أبواق للأفكار المسمومة. [ ص: 192 ]

                  فالإمام، رحمه الله، يبرز هذا النوع بكل علم ووعي بالناس وأصنافهم، وحقيقة الأمر أن الأمة تبتلى بأبنائها أكثر من أعدائها، وأشد ما تبتلى به الأمة من أبنائها ابتلاؤها بعلمائها.

                  يقول الإمام: "ونذكر بمنتهى الأسف أن من هذا الصنف من يقضي نصيبا من حياته في الدفاع عن الإسلام حتى يتبوأ مقعد الدعاة المصلحين، ثم لا يلبث أن يرى بضاعة الازدراء بالدين نافقة، فيثور عليها مع الثائرين، ويسـرع إلى لمز الرجال، الذين رفعوا لواءه وقد كان يطنب في تمجيدهم، وفي أمثال من يكون على هذا النعت خطره على النشء كبير، إذ الثقة التي أحرزها من قبل قد تجعلهم يسيغون أقواله بما تحمل من أقذاء وسموم، فيبلغ مأربه دون أن يفقـد مكانته، ثم إن انحرافه عن الدين بعد أن كان من أنصاره قد يلقي في نفوس المستضعفين أن هذا الذي قضى زمنا في مظـاهرة الدين لم يتجـاف عنه إلا بعد أن بصر بالحجـة واستبان له أنه كان على غير هدى" [2] .

                  فهذا الصنف من العلماء خطير على الأمة، وأشد عليها من أعدائها السافرين، وخصومها الواضحين، "والواقع أن هذا الصنف من المنحرفين قد أحدث في بعض البلاد الإسـلامية آثار فساد لم يحدث معشارها النابذون إلى الدين على سواء، وكم أرتنا الأيام في هذا الصنف من عجائب دلتنا على أن هناك مغارات يأتمرون بالدين بين حيطانها، ولغة إذا حضرهم بعض [ ص: 193 ] المسـلمين يجنحون إلى التخاطب بها، وضروبا من الإغواء يجهدون أنفسـهم في تمويهها، قال تعالى: ( فاسأل به خبيرا ) (الفرقان:59)" [3] .

                  فهذه خطة محكمة يقوم بـها المتآمرون على الإسلام من خلال صف من المفكرين، الذين يخرجون على المسلمين ويظهرون بثوب الحيدة والاعتدال، وبعد تحقيق مراحل من الخطة يخرجون على الأمة بحقيقتهم المعادية للإسلام وأهله.

                  وبهذا الاتجاه الفاسد في دراسة الإسلام يكون دين قد ضاعت معالمه بين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

                  فيلزم المعنيين بعملية الإصلاح مراقبة من يتصدى للدعوة، ويتولى الكتابة عن الإسلام من خلال مساره العلمي، وخطه الفكري الثابت، أو من خلال تعـدل مسـاره وتغير أفكاره، حتى لا يعرض الإسـلام على الأمة إلا الأمناء أصحاب الثبات في الفكر، والرؤى الناضجة.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية