الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الفصل الثالث

                  الإصلاح من خلال تربية النشء على العبقرية

                  خلقا وعلما

                  المبحث الأول

                  التربية على الدهاء في الحق والإنصاف الأدبي

                  - المطلب الأول: الكياسة والفطنة:

                  تمتع النشء بالموهبة الفكرية والعقلية، واستمراره على تلك الموهبة وسعيـه الدائم لتنميتها وتحسينها وتجـويدها يجعـله متمتعا بالحكمة التي لا يشترط فيها سن.

                  يقول الإمام: "ومتى كان الدهاء - أعني جودة النظر في سياسة الأمور وتقدير وسائل الخير - عائدا إلى الألمعية، وهي في أصلها موهبة إلهية، فإن التدبر في سير أعاظم الرجال والنظر في مجاري الحوادث باعتبار، مما تقوى بهما خصلة الدهاء، فمن حق الملقى إليهم بتربية النشء من أوليائهم ومعلميهم أن يصرفوا العناية إلى تغذيتهم بالحديث عن دهاة الرجال وتنبيههم لما دبروه من وسائل يبتغون بها إصلاحا أو شرفا، ومن حقهم أن يلاحظوا [ ص: 131 ] الحوادث التي تظهر من ناحية عرفت بالدهاء فيكشفوا غطاءها، ويقفوهم على بطائنها" [1] .

                  فالدهاء وتقويته في النشء من جوانب التربية الصحيحة، وهذا يتطلب فهم التقوى في حقيقتها، فهي ليست انعزالية عن الحياة، ووداعة مفرطة وسماحة متناهية، إنما التقوى وعي كامل، وتصور شامل، وإدراك للموقف، ووزن له، ووضع الأشياء في مواضعها، وفهـم الأمـور على حقيقتها، وعـدم السمـاح لأصحاب الأهواء بالخداع وتحقيق مآربهم الخبيثة وأهدافهم الخسيسة.

                  "وتكون هذه التنشئة عن طريق ذكر نماذج لأصحاب الجودة في السياسـة والنظرة في الأمـور، وأيضا من خلال تحليل المواقف تحليلا دقيقا من أجـل اسـتـخـراج ما يربي الفطنة والكياسـة، والدقة في كل شـيء عند النشء" [2] .

                  قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه : "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني" [3] . [ ص: 132 ]

                  فالمسلم يتصرف التصرف اللائق، ويتعامل مع الموقف التعامل المناسب، ويكون متدرجا من اللسان إلى السوط إلى السيف، ولا يتعجل في التصرف واتخاذ الموقف فيكون الخبط والخلط.

                  والتصرف اللائق بالموقف لا يشترط له سن بعينه.

                  فشاب صغير في السن يتمتع بحكمة ينال بها الأفضلية عن شيخ كبير تطيش تصرفاته هنا وهناك، ولا يعمل حسابا لمواقفه، ولا يبالي بعواقب أمره.

                  فالموهـبـة الفـكرية والعقلية تضـيف للنشء حياة إلى حياتهم، وعمرا إلى عمـرهم، وتعطيـهم التجارب والخـبرات، وبها يتصـرفون التصـرفات الموفقة السديدة.

                  والتربية على الدهاء تخرج جيلا قادرا على حمل الأمانة وتأدية الرسالة، "ذلك لأننا نريد أن نعد للمستقبل ناشئة تستقيم على هدى الله، وتخوض لجج الحياة بكياسة تبصر بها مواقع الشر والخير، فتسعى إلى أن يكون الشر بعيدا منها والخير طوع أيديها، وعلى قدر ما يكون في دعاة الشعب وقادته من دهاء وتقوى، يبعد في سبيل الشرف شأوه، وتثبت في مواقف الجهاد قدمه، ويرقى في السماء ذكره، والذكر الذي تحوطه التقوى ويحرسه الدهاء لا يخفت صوته إن شاء الله" [4] .

                  فمستقبل الإسلام يكون على يد جيل مربى على الحصافة والفطنة، والجرأة على اتخاذ المواقف المناسبة، وإدارة الحياة إدارة جيدة، وإتقان الأشياء من كل جوانبها. [ ص: 133 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية