الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  - المطلب الثاني: أسباب الحاجة إلى كثرة المصلحين:

                  أمراض الأمة كثيرة وتحتاج إلى مصلحين كثيرين لمتابعتها أولا بأول، وعلاجها بالمنهج السليم, وأسباب الحاجة إلى المصلحين تتمثل فيما يلي:

                  - ضعف الأمة:

                  وكما كانت حالة بني إسرائيل مستدعية كثرة الرسل والمصلحين لشدة المرض، وخطورة العلة، فإن الأمة الإسلامية في شدة ابتعادها عن الإسلام تحتاج إلى كثرة من المصلحين للتصدي للأزمة الكبيرة والوقوف أمام المشكلات الخطيرة التي تعاني منها الأمة الإسلامية.

                  "فإن الحال في هذه العصور يدعو إلى بذل كل عناية في التعارف والبحث عن علل ضعفنا، ثم عن الدواء القاطع لهـذه العلل؛ وماذا ينفع البحث عن العلل وأدويتها إذا لم ننهض إلى تركيب الأدوية ونتعاطاها على الوجـه الذي يوفر نشـاطنا، وتشتـد به سـواعدنا، ويجري به دم الحياة أو الحماسة في صغارنا وكبارنا" [1] .

                  فعلل الواقع كثيرة، وأمراض الأمة عديدة تحتاج إلى كثرة في المصلحين يعالجون العلل ويتصدون للآفات.

                  - التغيرات العصرية:

                  العصر بما فيه من تقلبات وتغيرات انعكست على الأمة بالانحراف الشديد، الذي قل أن يوجد مثله في عصور التاريخ المختلفة، ولهذا التغير العصري كان لزاما الاهتمام بالإكثار من المصلحين، وإخراجهم للأمة. [ ص: 173 ]

                  "وإذا كان العدد القليل فيما سلف يكفي لحراسة الدين وإرشاد من ينحرف عنه حتى يعود إليه، فلأن سلطان الإسلام يومئذ، وصوت غالب الجهل عليه خافت، أما اليوم فالحال ما ترون وما تسمعون" [2] .

                  "وإذا انصرف بعض أهل العلم أو الرأي عن الاتصال بالجمهور أيام كانت راية الإسلام تخفق في الشرق والغرب، وكانت النفوس في اطمئنان سائد، فإن الحال في هذه العصور يدعو إلى بذل كل عناية في التعارف والبحث عن علل ضعفنا" [3] .

                  فالمقارنة بين العصور الماضية والعصر الحالي تكون نتيجتها في حتمية الاهتمام بالمصلحين وزيادة عددهم، وإخراجهم للأمة لإصلاحها في كل مجال وميدان.

                  - التصدي لعوامل اليأس والإحباط:

                  اليأس عواقبه خطيرة ومدمرة، فهو يقتل الطاقات، ويجهض المواهب والملكات، ويشل الحركة، ويحجم عن السعي، ويصيب الإنسان بخيبة الأمل، وضياع الروح وانهيار العزيمة، وفساد الإرادة، وهو أكبر عائق في طريق النهضة والتنمية الشاملة. وقد حذرت "رسائل الإصلاح" من اليأس مهما كان تبريره وتعليله. [ ص: 174 ]

                  "ينظر أهل العلم إلى ما غرق فيه شبابنا من التشبه بالمخالفين وتقليدهم في عادات لا تغني من الرقي شيئا، وقد يرى بعضهم انحطاط كثير من أبنائنا في هذا التشبه والتقليد، فيعده قضاء مبرما، ويملكه خاطر اليأس حتى ينتكث من التعرض للشؤون العامة ومعالجتها، ولكن الذي يعرف علة هذا التسرع ويكون قد قرأ التاريخ ليعتبر، يرى الأمر أهون من أن يصل بالنفوس إلى التردد في نجاح الدعوة، بله اليأس من نجاحها" [4] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية