الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  - المطلب الثاني: الواقعية عند المصلح في قراءة الواقع:

                  لا يوجد في تاريخ المجتمعـات البشرية مجتمـع خـلا من انحرافات، ولم توجد فيه مخالفات، حتى مجتمع الصحابة الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل هو الآخر من مخالفات، فقد وجدت فيه جرائم، وارتكبت فيه كبائر.

                  فالمجتمع الإسلامي مجتمع إنساني، فيه شهوات ورغبات، يتغلب البعض عليها فيحلق في الأجواء العالية ويلامس السماء، وتتغلب الشهوات على البعض فينـزل بها إلى أسفل سافلين.

                  يقول الإمام: "وليس على وجـه المعمـورة اليوم أمة استـوفت خصال الكمال وبلغت في رقيـها المدني أن يفتح الناقـد الألمعي فيها عينه فلا يرى إلا أعمالا مرضية، أو عادات مقبولة، فإذا وجد في الأفراد من يفضل ببراءته من العيوب جملة، فإن الأمم إنما تفضل بغلبة خيرها على شرها، ورجحان محامدها على مذامها، وإذا وجد في الأفراد من يأذن لك أساتذة التربية في أن تقتدي بسيرته على الإطلاق، فليس في الأمم أمة يقول الرجل الحكيم لشعبه الناهض خض خوضها في كل واد، وشابهها مشابهة الغراب للغراب [1] . هذه حقيقة قد تغيب عن أذهان فئة من الشعوب الآخذة في النهوض" [2] . [ ص: 155 ]

                  والنظرة المعتدلة للمجتمع لابد أن تراعي التركيبة الإنسانية والطبيعة البشرية، وفي مقابل ذلك يجاهد المصلحون من أجل الوصول بالمجتمع إلى المستوى اللائق في الالتزام بتعاليم الإسلام.

                  والمصـلح يتمتع بخبرة تؤهله لقراءة الواقـع قراءة جيدة، والنظر في أحواله نظرة سـديدة، والاستشـفاف من الواقع مجريات الأحداث وتطورات المواقف.

                  ولا يقال: إن المصلح يدعي علم الغيب، ويتدخل فيما ليس له، ويتكلم فيما لا يحق له الخوض فيه، لكن الأمر عند المصلح أن ذاكرته مخزونة بالأحداث والوقائع الكثيرة، التي احتك بها، وخالط أطرافها، وتأثر بها، وعايشها في جميع مجرياتها، فيستطيع من خلال ذلك قراءة الواقع، ووضع تصور سليم لمجريات الأحداث، وتصور سليم أيضا لما تتجه إليه الأمور ببصيرة نافذة، وفراسة جيدة، وخبرة كبيرة.

                  "وما أحسن قول بعض السادات: العقل عقلان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع ما لم يكن ثم مطبوع" [3] .

                  فعقل المصلح يرشده إلى استخلاص النتائج من المقدمات، ومعرفة المواقف من طبيعة الأشخاص، والجمع بين الماضي والحاضر، والربط بين الوقائع المتشابهة، والأحداث المتوقعة في رؤية واسعة ونظرة ثاقبة. [ ص: 156 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية