الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المبحث الثاني

                  مشروع الناشئ العبقري في الفكر الإصلاحي

                  - المطلب الأول: نبت العبقرية:

                  العبـقرية أمـل يراود أصحـاب الهمـم، والراغبـين في الوصول إلى القمـم، فالوصـول إلى أرقـى الدرجـات عن طريق العبقـرية والذكاء والتفوق.

                  "تقـوم العبقرية على الذكاء والجد في طلب العـلم، ثم على كبر الهمة، فمن لم يكن ذكيا لم يـكن حظه من العلم إلا أن يحفظ ما أنتجته قرائح العلماء من قبله، ومن لم يجد في طلب العلم، ولم يغذ ذكاءه بثمرات القرائح المبدعة، بقي ذكاؤه مقصورا في دائرة ضيقة، فـلا يقوى على أن يحلق في سماء العلوم، ليبلغ الغاية السامية، وماذا تصنع المرأة الكيسة في بيت لا مؤونة فيه ولا متاع؟ يقـولون: إن ابن سينا [1] لم ينم مدة اشتغـاله بالعلم ليلة واحـدة كاملـة، ولا اشـتـغـل بالنهـار بسـوى المطـالعة. وقـالوا: [ ص: 138 ] لم يترك ابن رشـد [2] النظر ولا القراءة منذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه، أو ليلة بنائه على أهله.

                  ومن لم تكن همته في العلم كبيرة، لم يكفه ذكاؤه ولا جده في الطلب لأن يكون عبقريا، فقد يكون الرجل ذكيا مجدا في التحصيل، وصغر همته يحجم به أن يوجه ذكاءه إلى نقد آراء قديمة، أو ابتكار آراء جديدة حميدة: إذا غامرت في شرف مروم.. فلا تقنع بما دون النجوم [3] [4] .

                  - الابتكار:

                  العكوف على البحث وكثرة الإطلاع يفتح للباحث أبوابا جديدة، ويعطيه أبعادا لم يصـل إليها أحد قبله، وهذا هو المطلوب في النبوغ، [ ص: 139 ] والمنتظـر من رواد البحث العـلمي الجـاد، فليس البحث قائما على الكم، إنما على الكيف، وليس قائما على كثرة المعلومات إنما على جودتها، وليس قائما على كثرة النقول إنما على انتقائها والتخير لها، وليس قائما على الاهتمام الأوحد بالنقل من هنا وهناك، إنما هو قائم على الجوانب الموضوعية، والشخصية البحثية، والقدرة الفذة على التوجيه والتعليق والنقد العلمي البناء.

                  وليس قائما على ذكر توصيات سبق أن أتى بها آخرون، إنما هو قائم على توصيات جديدة تنفع الأمة في اللحظة التي تعيش فيها؛ لأن البحث العلمي الجاد يعالج الأمة فترة فترة، ولحظة لحظة، ومرحلة مرحلة.

                  يقـول الإمام في الحـديث عن فضل الابتكار في العلم: "ولا يناله طالبه من مجد وكرامة، حديث لا يكشف عن غامض ولا يطرق السمع بجديد، فأقصد إلى شيء غير هذا، هو لفت أنظار نشئنا إلى ناحية تجعل المعارف لدينا غزيرة والمباحث محررة، والآراء مبتكرة، وهي الوسيلة التي صعـدت بعلمائنا الذين خـدموا الدين والعلم والمـدنية، فكانت لهم المكانة التي يصفـها التاريخ بإجلال وإعجاب، ونعني بهذه الوسيلة: كبر الهمة في العلم" [5] . [ ص: 140 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية