المطلب الثالث: جودة التقسيم للموضوع:

إنصاف الموضوع ليس فقط في جودة المعلومات الموجودة فيه، وروعة النماذج والشواهد التي جاءت تحته، وأيضا ليس في الطرح الفكري البحت، والاعتماد على الإنشاء المحض، والادعاء أن الأفكار الخاصة هي التي أصقلت الموضوع وزادته مصداقية وجاذبية.

فالبعض يعالج الموضوعات ذات المضامين الإسلامية معالجة فكرية بحتة بعيدة كل البعد عن ذكر الأدلة وسوق النماذج والإتيان بالشواهد، وجمع المادة العلمية من بطون الكتب ومن دقيق المصادر والمراجع.

فالمعالجة كلها أفكار من أفكار، وتعبيرات أدبية خرجت عن الأسلوب العلـمي والعـرض المنهـجي، فإنصـاف الموضـوع ليس في هذا ولا في ذاك، إنما الإنصاف للموضوع في حسن تقسيمه، وحسن توزيع المادة العلمية عليه بكل عدل.

فالموضوع المقسم إلى عناصر، وتحت كل عنصر أدلته وشواهده، هو الموضوع الناجح، الذي يسد حاجة في الكتابة الإسلامية الأصيلة.

وكان هذا الأمر في المعالجة واضحا عند الإمام، رحمه الله، حتى إنه يمكن الاكتفاء بهذه المعالجة وحدها للموضوع دون الرجوع إلى غيرها، وأنها تعطي للقارئ الخلفية السليمة وتغذي أفكاره بالمعلومات الصحيحة الثمينة.

بل إن الموضوع نفسه يجد المحاضر في المحاضرة العلمية أو الخطيب في خطبة جمعة أو الداعية في مؤتمر علمي يجد في هذا الموضوع ما يلبي حاجته [ ص: 108 ] ويشبع نهمته، ويجده بالغ الذروة في الإقناع والإمتاع، وقد تميزت "رسائل الإصلاح" بالتقسيم العلمي وتنظيم الأفكار وترتيب المعالجة.

وعلى سبيل المثال موضوع "الانحراف عن الدين، علله وآثاره، ودواؤه" فالصياغة نفسها مقسمة تقسيما منهجيا بالغا، فالصياغة كشفت عن حقيقة معالجة الموضوع ببيان العلل والآثار والدواء.

وهذا ما التزم به الإمام في المعالجة، فما كانت المعالجة للموضـوع بعيدة عن الصياغة، فهذا يقع فيه البعض ممن لا يتصور موضوعه تصورا جيدا فلا يستطيع أن يلتزم بالصياغة الموضوعة له، فيضع الصياغة، ويتناول الموضوع بعيدا عنها.

ففي جانب علل الانحراف يجمل الإمام، وبعد ذلك يفصل فيقول: "النواحي التي يأتي من قبلها هذا الانحراف كثيرة، وجماعها الجهل والرعايات الباطلة. وإليك البيان" ^[1] .

ويبين الإمام بعد هذا الإجمال علل الانحراف كاشفا بيانه عن وعي بالدقائق وخبرة بالواقع، ودراية بتركيبة النفس البشرية.

وفي جانب آثار الانحراف يتكلم الإمام عن إصابة الناشئ بمرض الريب أو الجحود، الذي يجعله ينبذ الأدب الرفيع والعمل الرشيد. [ ص: 109 ]

ويتكلم عن التجـارب، التي تفيد أن زائـغ العقيـدة متى ملك جاها أو سلطة فتن الأمة في دينها، وانتهك حرمات شريعتها..

وفي جانب دواء الانحراف جعله في عناية أولي الأمر بالتعليم الديني في المدارس، على اختلاف أقسامها وفنونها، ودفاع أهل العلم بأقلامهم عن الشريعة ممن يتساقطون على الطعن فيها أو المكر في تأويلها، وأخذ الآباء بهدي الله في صيانة أبنائهم عن المدارس المنشأة للصد عن السبيل ^[2] .

ومن منطـلق تجربة الإمام، يصقل الموضوع، ويعطيه عمقا، وثراء، فالتجـربة في موضـوعات معينة في الإسلام شرط لخوضها، ومدخل للإجادة فيها.

ومن أمثلة جودة التقسيم في "رسائل الإصلاح" موضوع: "أديان العرب قبل الإسلام" حيث تكلم الإمام عن بعثة الأنبياء إلى العرب ليهدوهم إلى الصراط، فذكر بعثة هود، عليه السلام، وما كان منه من موقف لا يهاب أهل الباطل، ولا يبالي بهم ولا بما هم فيه من قوة وطغيان، وبعثة صالح، عليه السلام، لثمود وعن دعوته وآية نبوته، وبعثة إسماعيل، عليه السلام، للعرب وإرساله بشريعة إبراهيم، عليه السلام. وبعثة شعيب، عليه السلام، إلى مدين وكانت منازلهم تجاور أرض معان بأطراف الشام فبعث الله إليهم شعيبا، عليه السلام، داعيا إلى التوحيد والإصلاح، وبعثته كانت بعد بعثة إبراهيم، عليه السلام. [ ص: 110 ]

وتكلم الإمام عن الشرك في بلاد العرب، من نحو عبادة الأصنام ومظاهر تعظيمهم لها، وعبادتهم لبعض الأشجار، وبعض الحيوان، وعبادتهم الكواكب وعبادتهم للملائكة وعبادتهم للجن.

وتكلم عن البرهمية ^[3] في العرب حيث اشتهر دين البرهمية في سكان عمان، وتكلم عن دين الصابئة ^[4] في العرب، وتكلم عن المجوسية ^[5] في العرب، وتكلم عن الدهرية ^[6] في العرب، وعن اليهودية في جزيرة العرب وأثرها في العرب، وتكلم عن النصرانية في العرب.. ^[7] .

وكان تقسيمه هذا موثقا بالشواهد والأدلة والتعريفات الخاصة بأصحاب الفرق والمذاهب. [ ص: 111 ]

المطلب الثالث: جودة التقسيم للموضوع:

إنصاف الموضوع ليس فقط في جودة المعلومات الموجودة فيه، وروعة النماذج والشواهد التي جاءت تحته، وأيضًا ليس في الطرح الفكري البحت، والاعتماد على الإنشاء المحض، والادعاء أن الأفكار الخاصة هي التي أصقلت الموضوع وزادته مصداقية وجاذبية.

فالبعض يعالج الموضوعات ذات المضامين الإسلامية معالجة فكرية بحتة بعيدة كل البعد عن ذكر الأدلة وسوق النماذج والإتيان بالشواهد، وجمع المادة العلمية من بطون الكتب ومن دقيق المصادر والمراجع.

فالمعالجة كلها أفكار من أفكار، وتعبيرات أدبية خرجت عن الأسلوب العلـمي والعـرض المنهـجي، فإنصـاف الموضـوع ليس في هذا ولا في ذاك، إنما الإنصاف للموضوع في حسن تقسيمه، وحسن توزيع المادة العلمية عليه بكل عدل.

فالموضوع المقسم إلى عناصر، وتحت كل عنصر أدلته وشواهده، هو الموضوع الناجح، الذي يسد حاجة في الكتابة الإسلامية الأصيلة.

وكان هذا الأمر في المعالجة واضحًا عند الإمام، رحمه الله، حتى إنه يمكن الاكتفاء بهذه المعالجة وحدها للموضوع دون الرجوع إلى غيرها، وأنها تعطي للقارئ الخلفية السليمة وتغذي أفكاره بالمعلومات الصحيحة الثمينة.

بل إن الموضوع نفسه يجد المحاضر في المحاضرة العلمية أو الخطيب في خطبة جمعة أو الداعية في مؤتمر علمي يجد في هذا الموضوع ما يلبي حاجته [ ص: 108 ] ويشبع نهمته، ويجده بالغ الذروة في الإقناع والإمتاع، وقد تميزت "رسائل الإصلاح" بالتقسيم العلمي وتنظيم الأفكار وترتيب المعالجة.

وعلى سبيل المثال موضوع "الانحراف عن الدين، علله وآثاره، ودواؤه" فالصياغة نفسها مقسمة تقسيمًا منهجيًا بالغًا، فالصياغة كشفت عن حقيقة معالجة الموضوع ببيان العلل والآثار والدواء.

وهذا ما التزم به الإمام في المعالجة، فما كانت المعالجة للموضـوع بعيدة عن الصياغة، فهذا يقع فيه البعض ممن لا يتصور موضوعه تصورًا جيدًا فلا يستطيع أن يلتزم بالصياغة الموضوعة له، فيضع الصياغة، ويتناول الموضوع بعيدًا عنها.

ففي جانب علل الانحراف يجمل الإمام، وبعد ذلك يفصل فيقول: "النواحي التي يأتي من قبلها هذا الانحراف كثيرة، وجماعها الجهل والرعايات الباطلة. وإليك البيان" ^[1] .

ويبين الإمام بعد هذا الإجمال علل الانحراف كاشفًا بيانه عن وعي بالدقائق وخبرة بالواقع، ودراية بتركيبة النفس البشرية.

وفي جانب آثار الانحراف يتكلم الإمام عن إصابة الناشئ بمرض الريب أو الجحود، الذي يجعله ينبذ الأدب الرفيع والعمل الرشيد. [ ص: 109 ]

ويتكلم عن التجـارب، التي تفيد أن زائـغ العقيـدة متى ملك جاهًا أو سلطة فتن الأمة في دينها، وانتهك حرمات شريعتها..

وفي جانب دواء الانحراف جعله في عناية أولي الأمر بالتعليم الديني في المدارس، على اختلاف أقسامها وفنونها، ودفاع أهل العلم بأقلامهم عن الشريعة ممن يتساقطون على الطعن فيها أو المكر في تأويلها، وأخذ الآباء بهدي الله في صيانة أبنائهم عن المدارس المنشأة للصد عن السبيل ^[2] .

ومن منطـلق تجربة الإمام، يصقل الموضوع، ويعطيه عمقًا، وثراءً، فالتجـربة في موضـوعات معينة في الإسلام شرط لخوضها، ومدخل للإجادة فيها.

ومن أمثلة جودة التقسيم في "رسائل الإصلاح" موضوع: "أديان العرب قبل الإسلام" حيث تكلم الإمام عن بعثة الأنبياء إلى العرب ليهدوهم إلى الصراط، فذكر بعثة هود، عليه السلام، وما كان منه من موقف لا يهاب أهل الباطل، ولا يبالي بهم ولا بما هم فيه من قوة وطغيان، وبعثة صالح، عليه السلام، لثمود وعن دعوته وآية نبوته، وبعثة إسماعيل، عليه السلام، للعرب وإرساله بشريعة إبراهيم، عليه السلام. وبعثة شعيب، عليه السلام، إلى مدين وكانت منازلهم تجاور أرض معان بأطراف الشام فبعث الله إليهم شعيبًا، عليه السلام، داعيًا إلى التوحيد والإصلاح، وبعثته كانت بعد بعثة إبراهيم، عليه السلام. [ ص: 110 ]

وتكلم الإمام عن الشرك في بلاد العرب، من نحو عبادة الأصنام ومظاهر تعظيمهم لها، وعبادتهم لبعض الأشجار، وبعض الحيوان، وعبادتهم الكواكب وعبادتهم للملائكة وعبادتهم للجن.

وتكلم عن البرهمية ^[3] في العرب حيث اشتهر دين البرهمية في سكان عمان، وتكلم عن دين الصابئة ^[4] في العرب، وتكلم عن المجوسية ^[5] في العرب، وتكلم عن الدهرية ^[6] في العرب، وعن اليهودية في جزيرة العرب وأثرها في العرب، وتكلم عن النصرانية في العرب.. ^[7] .

وكان تقسيمه هذا موثقًا بالشواهد والأدلة والتعريفات الخاصة بأصحاب الفرق والمذاهب. [ ص: 111 ]