الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  - المطلب الثاني: ربط النشء بغاية وخطة تحقيقيها:

                  قيمة الحياة بما فيهـا من غايات نبيـلة يسعى الناس إليها، ويجتهدون في سبيل تحقيقـها.. والوصـول إلى الغـاية يسـتوجب خطة محـكمة، ونظاما دقيقا.

                  "فمن وضع أمامه غاية شريفة ورام من قومه العمل لها بعزم لا يخالطه فتور، فما عليه إلا أن يريهم بالأسلوب السائغ والدليل المقنع وجه شرف تلك الغاية، ثم يصف لهم طريقها الناجح، فلا يكون منهم إلا أن تسابقوا إليها، ويقتحموا كل عقبة تلاقيهم في سبيلها" [1] .

                  فخطوات تحقيق الغاية، كما يلي:

                  - كشف المصلح المحامد في الغاية، وإبراز المصالح في تحقيقها، والمنافع المترتبة من ورائها.

                  - تحديد الطريق المؤدي إلى تلك الغاية، كي لا تتشعب بالناس الطرق، وتتوزع بـهم السبل، فيشردون عن الغاية.

                  - إلزام أصحاب الغايات بالتعب والاجتهاد، واستطابة الآلام، واستلذاذ المتاعـب في سبيل الغايـة، النبيلة، وهذا يعني كثرة الراغبين في السير للوصول إلى الغاية النبيلة. [ ص: 141 ]

                  فالعبقرية تحتاج إلى ما يلي:

                  - صفة الذكاء والتمتع بمواهب لدنية مؤهلة للوصول إلى الدرجات العالية:


                  وتلك مواهب الرحمن تحصل باجتـهاد أو بكسب     ولكن لا غنى عن بذل جهد
                  بإخلاص وجد لا: بلعب

                  [2]

                  - التعب وترك الراحة: فلا راحة براحة، إنما الراحة بالتعب، ولا أمل بلذة، إنما الأمل بالألم، وصاحب غاية العبقرية لا يقف عند حد ذكائه ونباهتـه، إنما يدعم الذكاء بالجـد والسـهر، حتى يبتـكر ويجدد، ويصل إلى ما لم يصل إليه غيره.

                  - علو همته: وهو أن يضع لنفسه أعلى درجة ليحققها، وأرقى مسـتوى ليصـل إليه من خلال تعبه واجتهـاده، فلا يفرط، ولا يتـوانى، ولا يتكاسل، إنما يستوعب وقته بتحقيق مطالب علو همته، ويستثمر جهده في الوصول إلى أرقى الدرجات.

                  "ذلك عنوان كبر الهمة في العلم، وذلك ما يجعل أوطاننا منبت عبقرية فائقة، ومطلع حياة علميـة رائعـة، وما نبتت العبقرية في وطن نباتا حسـنا إلا كانت أرضه كرامة، وسماؤه عزة، وجوانبه حصانة ومنعة" [3] . [ ص: 142 ]

                  وقد ركز الإمام، رحمه الله، في مقالاته على إصلاح النشء واعتبارهم الركيزة الأساسية في نهضة الأمة الإسلامية.

                  ومن كثرة ذكر الإمام للنشء في مقالاته، وتوجيه الخطاب إليهم، والتركيز عليهم، يتأكد أن النشء في فكر الإمام ووعيه وأنهم عنده بمكان، وأن الإصلاح السليم لا يتحقق إلا عن طريق النشء الذي تربى على أسس الإسلام، فالإصلاح على سواعد النشء، وطاقاتهم، ومواهبهم، وإمكاناتهم، وهذا ما تأكد لدى الإمام، وتحول إلى قناعة تامة عنده، فأولى النشء عناية وأعطاهم مساحة كبيرة في مقالاته.

                  فتربية النشء على العلم صمام أمان وسياج حماية لهم في كل مراحل حياتهم، وتتولى هذه التربية العملية شؤونهم وإصلاح أمورهم، فالعلم يجعل للإنسان رقيبا من نفسـه يتولاها ويعنى بهـا، ويقوم بتسديدها, والاختيار لها ما يصحح سيرها، ويدعم موقفها، وما أجمل أن يتولى الإنسان نفسه، وأن يستلم تربيتها وتوجيهها من خلال العلم النافع، الذي تلقاه وأفاد منه، وعاد عليه بالخير في مستقبل حياته.

                  وهناك مجموعة من الحقائق في التربية العلمية للنشء, وهي:

                  - الشعوب التي تهتم بتربية النشء على حب العلم وعلى مدارسته هي الشعوب التي تؤسس للنهضة الحقيقية، وهي التي توجه إليها أنظار الإجلال والتقدير؛ لأنها أحسنت توجيه جهودها، وأجادت في إدارة عملية الإصلاح إدارة جيدة. [ ص: 143 ]

                  - آفات القعود عن العلم كثيرة، منها ارتباط النشء بغايات معينة ينقطع عندها طلبهم العلم، ويقفون عند حدها، فهذه الآفة تخرب العملية التعليمية برمتها، فالوقوف عند حد بعينه يقتل في الإنسان القدرة على التفوق والنبوغ، ويتصادم مع حقائق العلم وحاجات الحياة من العلم المتجدد، ومن رواده الحقيقيين.

                  - مشروع الناشئ العبقري هو الذي يتوقف عليه نهضة المجتمع، والعبقري الناشئ من مواصفاته التجديد والابتكار والإتيان بفهوم جديدة، وآراء سديدة، ورؤى ثرية، وأيضا من مواصفاته علو همته، وقوة إرادته، وإقباله على العلم بقوة، وإنفاقه الوقت والجهد في سبيله.

                  - الناظر في أحوال التعليم المعاصر لا يجد المناخ السائد يشجع على وجـود هـذه العبقريات الناشئة، ومن يكون عبقريا ناشئا في هذا المناخ، إنما هذا من تدبير الله تعالى له، ومن نجاته بعبقريته وخروجه بموهبته من مناخ غير مستقر، وأسباب غير مشجعة، وظروف وملابسات لا تهيئ على الإطلاق تخريج عبقريات. [ ص: 144 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية