التطرف.. وأزمة العقل المسلم
الدكتور أحمد بوعود [1]
إن المتأمل في واقع المسلمين اليوم ليصاب بالدهشة والاستغراب، حيث يجد جملة من التناقضات يمكن اختزالها في مظهرين كبيرين:
الأول: إعراض عن دين الله تعالى والغفلة عنه وعدم الامتثال له...
الثاني: غلو وتطرف في الأخذ بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف إلى حد الخروج عن مقاصده وروحه.
وهذان مظهران سلبيان لا يقرهما الإسلام، لا في نصوصه ولا في مقاصده. ولعل المظهر الثاني يشكل أكبر خطر على الإسلام، لأنه يلصق به ما ليس منه، وينفر منه، ويقدم صورة مشوهة ورهيبة للناس، ويجلب على الإسلام والمسلمين الويلات، ويضاعف من أزماته، خاصة ونحن في وقت يحتاج فيه الإسلام إلى تعزيز وجوده وبسط رحمته للعالمين.
وإنه من الظـلم أن ننسب هذه الظاهرة إلى الإسلام وهو منها بريء، أو نجعل لها أصلا فيه، وهو منها خال، كما أنه من الخطأ الفادح أن نبرر [ ص: 97 ] ذلك بمبررات الوقت والواقع المعاصر وضغوطه. إن البحث في ظاهرة العنف يقتضي البحث عن جذورها ومعرفة المسار الذي قطعته بتعرف مواطن الخلل التي أفضت على فشو هذه الظاهرة واستفحالها. ولعل من الصواب القول: إن ظـاهرة التـطرف تتعلق أساسا بخلل في فهم الدين ومقاصده وبتصور الناس له، مع عدم إغفال ما كان للعامل السياسي من تأثير واضح فيه. وبجملـة واحـدة: إن هذه الظاهرة تشكل أكبر مظهر من مظاهر أزمة العقل الإسلامي!
إن الانحراف عن الفهم السليم للإسلام انحرف بالناس عن فهم مقاصده وروحه، فأصبحت الشريعة مجرد رسوم والعبادة رياضة وحركات، كما أصبـح الإيمـان والتقـوى مجرد أفـكار بعيدة عن السلوك لا ينتج عنها عمل. وهكذا غابت الرحمة عن معاملات المسلمين فيما بينهم، ناهيك عن معاملاتهم مع غيرهم، مناقضين ما دعا إليه ديننا؛ يضاف إلى هذا قلة فهم للواقع الذي يعيشه المسلمون وما أوصلهم إليه.
من هنا دعت الضرورة إلى بحث هذا الموضوع من خلال النقط الآتية:
- الجذور الأولى للتطرف.
- أزمة العقل المسلم.
- "مفهوم الجاهلية".. تصور خاطئ.
- حاجتنا إلى فقه الرحمة النبوية.
- العنف ومصير الإنسان الأخروي. [ ص: 98 ]