وقيل : إنه في التوراة : يا بني إسرائيل لا تقتلوا تقتلوا ، وبين المعنيين فرق إذا سبر ، وتعاطت العرب مثل ذلك ، فقالوا : القتل أنفى للقتل ، وكان لفظ القرآن أفصح ، ومعناه أوضح وكلامه أوجز ، وقال : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [ الإسراء : 33 ] فيه تأويلان :
أحدهما : أنه القصاص ، وهو قول قتادة .
والثاني : أنه الخيار بين القصاص والدية ، أو العفو عنهما ، وهو قول ابن عباس .
فلا يسرف في القتل فيه تأويلان :
أحدهما : أن يقتل غير قاتله ، وهو قول طلق بن حبيب .
والثاني : يمثل به إذا اقتص وهو قول ابن عباس .
وتأوله سعيد بن جبير وداود تأويلا ثالثا : أن يقتل الجماعة بالواحد .
( إنه كان منصورا ) فيه تأويلان :
أحدهما : أن الولي كان منصورا بتمكينه من القصاص وهو قول قتادة .
والثاني : أن المقتول كان منصورا بقتل قاتله ، وهو قول مجاهد ، وقال : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين إلى قوله : فهو كفارة .
[ ص: 7 ] [ المائدة : 45 ] له فيه تأويلان :
أحدهما : فهو كفارة له للمجروح وهو قول الشعبي .
والثاني : فهو كفارة للجارح : لأنه يقوم مقام أخذ الحق منه وهو قول ابن عباس .
فإن قيل : فهذا إخبار عن شريعة من قبلنا ، وهي غير لازمة لنا .
قيل : في لزومها لنا وجهان :
أحدهما : يلزمنا ما لم يرد نسخ .
والثاني : لا يلزمنا إلا أن يقوم دليل ، وقد قام الدليل بوجوب ذلك علينا من وجهين :
أحدهما : أنه قد قرأ أبو عمرو والجروح قصاص [ المائدة : 45 ] بالرفع وهذا خارج عن الخبر إلى الأمر .
والثاني : ما روى حميد عن أنس قال : كسرت وهي عمة الربيع بنت معوذ أنس ثنية جارية من الأنصار ، فطلب القوم القصاص فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالقصاص فقال أنس بن النضر ، عم أنس بن مالك : لا والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فرضي وقبلوا الأرش فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كتاب الله القصاص ذكره إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبر قسمه البخاري في الصحيح .
فموضع الدليل من أنه أخبر بأن كتاب الله موجب للقصاص في السن ولم يذكره إلا في هذه الآية فدل على لزومها لنا ، ويدل على وجوب القصاص من السنة ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل ، وأنا والله عاقله ، فمن قتل قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا أخذوا العقل وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ثم أنتم يا من قتل قتيلا فهو به بسواء يعني سواء . فإذا ثبت وجوب القصاص ، وهو معتبر بالتكافؤ على ما سنذكره تعلق بالقتل حقان :
أحدهما : لله .
والثاني : للمقتول .
فأما حق الله فشيئان الكفارة والمأثم .
[ ص: 8 ] فأما ، وأما المأثم فيسقط بالتوبة على ما قدمناه . الكفارة فلا تسقط بالتوبة
والتوبة معتبرة بثلاثة شروط :
أحدها : الندم على قتله ، وترك العزم على مثله ، وتسليم نفسه إلى ولي المقتول : ليقتص منه أو يعفو عنه .
وأما حق المقتول فأحد أمرين يرجع فيها إلى خيار وليه في القصاص أو الدية ، ولا يجوز أن يجمع بين الأمرين .
وروي أن مقيس بن صبابة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطالبه بدم أخيه وقد قتله بعض الأنصار ، فحكم له بالدية ، فأخذها ثم عدا على قاتل أخيه وعاد إلى مكة مرتدا .
وأنشأ يقول :
شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا تضرج ثوبيه دماء الأخادع ثأرث به قهرا وحملت عقله
سراة بني النجار أرباب فارع حللت به وتري وأدركت ثؤرتي
وكنت عن الإسلام أول راجع
وهو أحد الستة الذين أمر بقتلهم ، وإن تعلقوا بأستار الكعبة .