الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولمن وجبت له الغرة أن لا يقبلها دون سبع سنين أو ثمان سنين لأنها لا تستغني بنفسها دون هذين السنين ولا يفرق بينها وبين أمها في البيع إلا في هذين السنين فأعلى .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الغرة في اللغة فتستعمل على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : في أول الشيء ومنه قيل لأول الشهر غرته .

                                                                                                                                            والثاني : في جيد الشيء وخياره ومنه قيل فلان غرة قومه إذا كان أسراهم ، وقد أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغرة في دية الجنين فوجب أن يكون إطلاقها محمولا على أول الشيء وخيار الجنس ، لأنه ليس أحدهما بأولى أن يكون مرادا من الآخر فحمل عليهما معا ، وإذا وجب الجمع بينهما كان أول الجنس إذا خرج عن الجيد مردودا والجيد إذا خرج عن أول السن مردودا ، فإذا اجتمعا معا في السن والجودة كان اجتماعهما مرادا ، وإذا كان كذلك فإن للغرة أولا وغاية ، فأما أوله فسبع سنين أو ثمان : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلها حدا لتعليمه الطهارة والصلاة فقال : علموهم الطهارة والصلاة وهم أبناء سبع .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يستقل فيها بنفسه ، ولذلك خير فيها بين أبويه وفرق بينه وبين أمه فلا يقبل من الغرة في الجنين ما لها دون سبع سنين : لأنه لعدم النفع فيه ليس بغرة وإن كان بأول الشيء من الغرة .

                                                                                                                                            [ ص: 393 ] وأما غاية سن الغرة فمعتبر بشرطين .

                                                                                                                                            أحدهما : أكمل ما يكون نفعا .

                                                                                                                                            والثاني : أزيد ما يكون ثمنا وهي قبل العشرين أزيد ثمنا وأقل نفعا ، وبعد العشرين أكمل نفعا وأقل ثمنا ، فاقتضى أن تكون العشرون سنة حدا للغاية : لأنها أقرب سن إلى الجمع بين زيادة الثمن وكمال المنفعة فلا يقبل فيما جاوزها ويقبل فيما دونها ويستوي فيها الغلام والجارية ، وفرق بعض أصحابنا في غاية السن بين الغلام والجارية فجعل الغاية في سن الغلام خمس عشرة سنة وهي حال البلوغ ، والغاية في سن الجارية عشرين سنة ، لأن ثمن الغلام بعد البلوغ ينقص وثمن الجارية إلى العشرين يزيد ، وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لما لم يختلفا في أول السن وجب أن لا يختلفا في آخره .

                                                                                                                                            والثاني : أن نقصان ثمنه مقابل لزيادة نفعه فتعارضا وتساوى فيهما الجارية والغلام ، لأن تأثير السن في الجارية أكثر من تأثيره في الغلام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية