الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ومعنى الحكومة أن يقوم المجني عليه كم يسوى أن لو كان عبدا غير مجني عليه ثم يقوم مجنيا عليه فينظر كم بين القيمتين فإن كان العشر ففيه عشر الدية أو الخمس فعليه خمس الدية .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة الأروش في الجنايات ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما ورد الشرع بتقديره فينطلق عليه اسم الدية واسم الأرش إلا دية النفس فلا ينطلق عليها اسم الأرش ، لأن الأرش لتلافي خلل ولم يبق مع تلف النفس ما يتلافى فلم تسم ديتها أرشا ، فكل شيء تقدرت ديته بالشرع زال الاجتهاد فيه ، وتساوى الحكم مع قلة الشين وكثرته ، فما تقدرت أروشه بالدية الكاملة كالأنف واللسان والذكر ففيه من العبد جميع قيمته ، وما تقدر أرشه بنصف الدية كإحدى العينين وإحدى اليدين والرجلين ففيه من العبد نصف قيمته ، وما تقدر أرشه بعشر الدية كالإصبع ففيه [ ص: 302 ] من العبد عشر قيمته ، وكذلك فيما زاد ونقص ، فيصير الحر أصلا للعبد في المقدر .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما لم يرد الشرع بتقدير أرشه فالواجب فيه حكومة يختلف باختلاف الشين ، لا تتقدر إلا باجتهاد الحكام ، ولذلك سميت حكومة لاستقرارها بالحكم ، فإن اجتهد فيها من ليس بحاكم ملزم لم يستقر تقديره ، لأنه لا ينفذ حكمه ، ثم إذا تقدرت باجتهاد الحاكم في واحد لم يصر ذلك حكما مقدرا في كل أحد : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : لقصور مرتبة الاجتهاد عن النص ، فصار الاجتهاد خصوصا والنص عموما .

                                                                                                                                            والثاني : لاعتبار الشين في الاجتهاد ، وحذفه من النص ، وإذا كان كذلك فمعرفة الحكومة أن يقوم المجني عليه لو كان عبدا لا جناية به ، فإذا قيل : مائة دينار قوم وبه هذه الجناية ، وإذا قيل : تسعون دينارا علم أن نقص الجناية عشرة من مائة هي عشرها معتبر من دية نفس الحر فيكون أرشها عشر الدية ، ولو نقص بعد الجناية عشرون من مائة هي خمسها كان أرشها خمس الدية ، وكذلك فيما زاد ونقص ، ولو كان المجني عليه عبدا كان الناقص من قيمته هو أرش حكومته ، فيصير العبد أصلا للحر في الحكومة ، والحر أصلا للعبد في التقدير ، وكان بعض أصحابنا يجعل نقص الجناية معتبرا من دية العضو المجني عليه لا من دية النفس ، فإن كان على يد وهو العشر أوجب عشر دية اليد ، وإن كان على إصبع أوجب عشر دية الإصبع ، وإن كان على الرأس فيما دون الموضحة أوجب عشر دية الموضحة ، وإن كان على الجسد فيما دون الجائفة أوجب عشر دية الجائفة ولم يعتبره من دية النفس حذرا من أن يبلغ أرش الحكومة دية ذلك العضو أو زيادة عليه ، وهذا الاعتبار فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما كان التقويم للنفس دون العضو وجب أن يكون النقص معتبرا من دية النفس دون العضو .

                                                                                                                                            والثاني : أنه قد تقارب جناية الحكومة جناية المقدر كالسمحاق مع الموضحة ، فلو اعتبر النقص من دية الموضحة لبعد ما بين الأرشين مع قرب ما بين الجنايتين ، فإن قيل : فإذا اعتبرتموه من دية النفس ربما ساواه وزاد عليه .

                                                                                                                                            قيل : يختبر زمن هذه المساواة والزيادة حد فيها والنقصان فيها على ما سنذكره ، فلا توجب زيادة ولا مساواة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية