الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو قال جنيت عليه وهو ذاهب البصر فعلى المجني عليه البينة أنه كان يبصر .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد مضت هذه المسألة ، وذكرنا حكم الأعضاء الظاهرة إذا اختلف الجاني والمجني عليه في سلامتها وعطبها ، والعين من جملة الأعضاء الظاهرة ، فإذا فقأ رجل عين رجل واختلف الفاقئ والمفقوء .

                                                                                                                                            فقال الفاقئ : فقأتها وبصرها ذاهب .

                                                                                                                                            وقال المفقوء : بل كان سليما ، فلا يخلو حال الفاقئ من أن يعترف له بتقدم السلامة أو لا يعترف ، فإن لم يعترف له بها وقال : خلقت ذاهب البصر فالقول قوله مع يمينه ، لأن المفقوء يمكنه إقامة البينة على سلامة بصره ، وإن اعترف له بالسلامة المتقدمة وادعى ذهاب بصره قبل جنايته ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن القول قول الفاقئ مع يمينه ، لأن الأصل عدم القود وبراءة الذمة حتى يقيم المفقوء البينة على سلامته عند الجناية .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن القول قول المفقوء مع يمينه ، لأن الأصل بقاؤه على سلامته حتى يقيم الفاقئ البينة على ذهاب بصر ، وأصل هذين القولين اختلاف قوليه في الملفوف إذا قطع ، وقال الجاني : قطعته وكان ميتا .

                                                                                                                                            وقال أولياؤه : كان حيا .

                                                                                                                                            أو هدم على جماعة بيتا وقال : هدمته عليهم وكانوا موتى ، وقال أولياؤهم : كانوا أحياء ، ففيها قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 256 ] أحدهما : أن القول قول الجاني مع يمينه ، لأن الأصل عدم القود وبراءة الذمة .

                                                                                                                                            والثاني : أن القول قول الأولياء مع أيمانهم ، لأن الأصل بقاء الحياة .

                                                                                                                                            مسألة . قال الشافعي رضي الله عنه : ويسعها أن تشهد إذا رأته يتبع الشخص بصره ويطرف عنه ويتوقاه وكذلك المعرفة بانبساط اليد والذكر وانقباضهما ، وكذلك المعتوه والصبي ومتى علم أنه صحيح فهو على الصحة حتى يعلم غيرها .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل الشهادة أنها لا تصح إلا بأقصى جهات العلم بها ، فإذا شهدوا بسلامة البصر وإن كان مما لا يشاهد فقد يقترن بالشهادة من أمارات العلم به ما لا يعترضه شك ، وهو أن يراه يتبع الشخص ويسلك المعاطف ويتوقى الآبار ، ويقرأ الكتب ، ويتطرف عينه عن الأذى ، فيعلم بهذه الأمارات والدلائل علما لا يدخله شك أنه يبصر ، فجاز أن يشهد له بسلامة بصره ، وهكذا في سلامة اليدين والرجلين إذا رآه يمشي على قدميه ، ويقبض أصابع رجليه ، ويعمل بيديه قبضا وبسطا ، ورفعا ووضعا ، علم بذلك سلامتها من شلل ، فجاز أن يشهد له بالصحة ، وهكذا الذكر وهو من الأعضاء يجوز إذا رآه ينقبض وينبسط أن يشهد له بالسلامة من الشلل ، وذلك بأن يشاهده في إحدى ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إما حال الصغر قبل تغليظ عورته .

                                                                                                                                            أو يشاهده في الكبر بالاتفاق من غير تعمد لمشاهدته .

                                                                                                                                            أو يكون طبيبا قد دعته الضرورة إلى مشاهدته ، فأما إن تعمد في الكبر للنظر بغير ضرورة فقد فسق ، ولا يقبل للفاسق شهادة ، وكذلك الشهادة للصبي والمعتوه بسلامة أعضائه ، لأنه يستدل عليها بحركات طبعه .

                                                                                                                                            قال الشافعي : ومتى علم أنه صحيح فهو على الصحة . وشهد له شاهدان بها نظرت شهادتهما ، فإن شهدا له بالصحة عند الجناية حكم بها ، ولم يستحلف المجني عليه معها ، لأن البينة تغني عن اليمين فيما تضمنته ، وإن شهدا بالسلامة قبل الجناية ففي سماعها والحكم بها قولان من اختلاف قوليه فيمن علم بتقدم سلامتها هل يحكم فيها عند الجناية بقوله أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يحكم بقوله ، فعلى هذا لا تسمع الشهادة له بتقدم سلامته .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يحكم له بقوله ، فعلى هذا تسمع الشهادة له بتقدم سلامته ، ثم يستحلف معها على أنه لم يزل على السلامة إلى حين جنايته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية